الأمر ينسحب على ترشيح "مدن الإبداع العالمي"، حيث يتمّ اختيار حواضر في حقل الحرف والفنون الشعبية، إذ تغيب بقية الحقول من سينما وأدب وموسيقى وفنون وإعلام، وكأن المدينة العربية باتت ثقافتها تعيش في سياق مُتحَفي ولا صلة لها بالعصر.
في الوقت ذاته، لا يمكن إغفال أن المنافسة على جميع هذه المشاريع العالمية، تطرح تساؤلات عدّة حول من يمارس سلطته في تصنيف الثقافات وتقييم إرثها المعرفي، في ظل تدافع المبادرات، التي كان آخرها اقتراح "اللجنة الدائمة للثقافة العربية" تسجيل "مقدّمة" عبد الرحمن بن خلدون (1332 – 1406) في "ذاكرة العالم".
اقتراح قد يحظى غالباً بموافقة الـ"يونسكو" دون أن يرتّب أية مسؤولية لدى أصحابه تجاه إرث المؤرخ التونسي، الذي جرى تنظيم احتفالية كبرى عام 2006 في ذكرى مرور 600 عام على رحيله، حيث أُعد عمل استعراضي عن حياته لم يعرض سوى لمرات معدودة، وأهديت سهرات "مهرجان قرطاج" في تلك السنة إلى روحه.
مقابل ذلك، لم تصدر وزارة الثقافة - الجهة المنظّمة للتظاهرة سوى القليل من الكتب والبحوث التي تعهدت بنشرها حول أعماله ونطرياته في علم الاجتماع والتاريخ، وظلّ قرار إطلاق كرسي ابن خلدون للدراسات حبراً على ورق.
على المنوال نفسه، أُعلن بمناسبة تقديم الاقتراح المذكور عن تنظيم محاضرة بعنوان "ابن خلدون وقراءاته المعاصرة" للمؤرخ الفرنسي غابريال مارتيناز غرو في العاصمة التونسية، كما سيتم معاينة منزل ابن خلدون في المدينة العتيقة الذي قرّرت الحكومة تحويله إلى متحف نهاية الشهر الماضي بعد طول إهمال، لكنها لم تحدّد بعد عن المبلغ المرصود للمشروع ومخطط وآليات تنفيذه وأيضاً موعد افتتاحه في انتظار إقرار ميزانيتها للعام المقبل.