عندما يشاهد الأهل صغيرتهم الطفلة الودود المطيعة التي تعتمد على أمها في كل شيء، تتمرد فجأة وتستقل برأيها وتناطح الكبار في كل شيء رأساً برأس، ويندهشون عندما يشاهدون بأم أعينهم صغيرهم الحاني قد تمرد هو الآخر وبدأت تظهر عليه بوادر الانحراف والميل إلى الخطأ، ويثور حين يوجّه إليه انتقاد ويشعر برغبة جامحة بتفريغ طاقته وهمومه لغيرهم مع صديق أو صديقة ليشعر بالأمان والطمأنينة التي فقدها معهم.
ولكن الاندهاش والصدمة يزولان حين يعرف الآباء أن أبناءهم بخير، وبأن ما يمرون به ليس سوى تعبير عن مرحلة المراهقة، إذ يمر المراهق بعدد من التغيّرات الجسمية والنفسية والعقلية، وهذا أمر طبيعي تقتضيه طبيعة النمو الجسمي والنفسي.
وهذه الاحتياجات بطبيعة الحال ليست احتياجات جديدة أو أنها وليدة هذه المرحلة، إلا أنها تمتاز بالحساسية وتحتل موقعا متقدما من الأهمية مقارنة بمرحلة ما قبل المراهقة لما يصاحب هذه المرحلة من نضج فكري وعقلي ونفسي.
وأبرز هذه الاحتياجات:
1- الحاجة إلى التقدير.
2- الحاجة إلى الإرشاد والتوجيه.
3- الحاجة إلى العمل.
4- الحاجة إلى الاستقلالية.
5- الحاجة إلى الاستيعاب الاجتماعي.
6- الحاجة إلى الشعور بالأمن والاستقرار والطمأنينة.
أولا: الحاجة إلى التقدير:
يحتاج المراهق بصورة ماسة لأن يحصل على كم وافر من التقدير الاجتماعي والمكانة التي تتناسب وقواه وإمكانياته، سواء في بيئته الأسرية أو التعليمية أو المحيط الاجتماعي العام.
ثانيا: الحاجة إلى الإرشاد والتوجيه:
إن المراهق يحمل فكراً نشطاً وحماسة وحيويةً زائدةً إلى الحد الذي يمكّنه من اتخاذ القرارات التي ربما تكون قرارات خطيرة أو مصيرية، إلا أنه في المقابل يعاني من نقص شديد في الخبرات والتجارب، الأمر الذي يقف حائلا دون إصابة الهدف فيؤدي بالتالي إلى الفشل أو الانهزام.
ثالثا: الحاجة إلى العمل:
يمثل العمل الحقل الأول الذي يثبت فيه المراهق قدرته على تحمّل المسؤولية وإدارة أموره بالصورة السليمة، وهو المكان الذي يحقق المراهق ذاته من خلاله.
رابعا: الحاجة إلى الاستقلالية:
إن المراهق يتمتع بثقة عالية في قدرته على اتخاذ القرارات، لا سيما المصيرية منها، لكن تنقصه الخبرة التي تضمن سلامة هذه القرارات، لذا ينبغي علينا كراشدين محيطين بهذا المراهق أن نعينه على اتخاذ القرار بنقلنا لما نحمل من خبرات ومعارف إليه.. إلا أن ما ينبغي الالتفات إليه هنا هو أن لا يتم نقل هذه الخبرات والتجارب في حالة من الفرض والسيطرة والوصاية، ذلك أن هذا الأمر ـ وهو فرض السيطرة والوصاية - من شأنه أن يجعل من شخصية المراهق شخصية مريضة ومتذبذبة غير قادرة على اتخاذ القرارات أو تحمل
المسؤولية وبالتالي يكون هذا الشاب فردا غير فاعل أو منتج في المجتمع الذي يعيش فيه.
خامسا: الحاجة إلى الاستيعاب الاجتماعي:
المراهق عبارة عن شعلة من النشاط والحيوية والوهج الفكري وروح المثابرة، وهذا في حد ذاته أمر جيد، إلا أن ما يجب التنبّه إليه هو أن هذه الأمور أو الصفات هي أمور قابلة للتلاشي والاضمحلال إذا لم تجد قدرا كافيا من الاستيعاب الاجتماعي.
سادسا: الحاجة إلى الشعور بالأمن والاستقرار:
وهو ضرورة من ضرورات الإنتاج الفكري لأي فرد من أفراد المجتمع وفي أي مرحلة عمرية، فإحساس الفرد بالأمان يدفعه دوما لأن يعمل على تحسين وضعه الاجتماعي والاقتصادي والسير في طريق كسب المكانة المرموقة في المجتمع، في حين يعمل شعوره بالخوف على تحطيمه الكلي، والمقصود بالأمن هنا هو حالة الطمأنينة والسكينة والاستقرار بكافة أشكالها وهيئاتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية وغيرها.
وفي النهاية، فإن ابنك المراهق في حاجة إلى التقدير، فقدّره، ويحتاج إلى الإرشاد والتوجيه، فوجّهه، ويحتاج إلى العمل فساعده، ويحتاج إلى الاستقلالية فثق به وأعِنهُ على تحمل مسوؤلية ذلك الاستقلال، ويحتاج الاستيعاب الاجتماعي، فاحتوِه، ويحتاج إلى الشعور بالأمن والاستقرار والطمأنينة فاحتضنه.