حين يجري الحديث عن الفلسفة التركية، فإن اسمها عادة ما يأتي في الطليعة، المفكرة التركية إيونا كوتشورادي (1936)، تلقي محاضرة حول "الأخلاق والأخلاقية" في مكتبة "يابي كريدي" في إسطنبول عند السادسة من مساء بعد غدٍ الأربعاء.
أمضت كوتشورداي سنوات في بحث الفرق الفلسفي بين الأخلاق ethic والأخلاقية morality، وهي التي قرأت أفلاطون عندما كانت طالبة في الثانوية، واختارت بعده أن تكون الفلسفة تخصّصها في جامعة إسطنبول.
ومن نفس الجامعة أيضاً حصلت الشابة القبرصية التركية على درجة الدكتوراة عن أطروحتها "شوبنهاور ونيتشة والشرط الإنساني" ثم أصبحت أستاذة في جامعة أتاتورك.
تعتبر كوتشورادي رائدة أيضاً في خلق مجتمع فلسفي في بلادها، فبعد زيارة إلى فيينا مدعوة إلى مؤتمر فلسفي عام 1973، عادت إلى أنقرة وقررت تأسيس جمعية الفلسفة مع أساتذة وفلاسفة وباحثي فلسفة آخرين، ثم أصبحت مؤسسة رسمية تحت عنوان "الرابطة الفلسفية التركية".
جاء اهتمام الأكاديمية بفلسفة الأخلاق من خلال مثابرتها على حضور أستاذها الأول، المفكر التركي تاكيتن مينغوشولو (1905-1984) التي تركزت حول نيتشه، على إثرها وضعت الفيلسوفة بحثاً حول "التراجيدي عند ماكس شيلر ونيتشه".
حاولت الباحثة آنذاك أن تقدم التراجيدي الإنساني بوصفه ظاهرة، وربطتها بطبيعتها التي لا يمكن فصلها عن الحياة اليومية، آنذاك تمسكت الباحثة الشابة بمنهجية أستاذها التي اعتمد فيها على الأنثروبولجيا الفلسفية.
تعتبر كوتشورادي اليوم من أهم المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم، ومن الداعين إلى إيقاف عقوبة الإعدام؛ وعن ذلك صرّحت ذات مرة: "إذا كنا ضد القتل، فعلينا أن نعارض اتخاذ قرار بقتل الآخرين بموجب القانون".
شغلت الفيلسوفة عدة مناصب من بينها مقعد الفلسفة في يونسكو، ورئيسة لجامعة اسطنبول، وحصلت على جوائز وأوسمة تقديرية في بلادها. وقد صدر لها عشرات الكتب والدراسات، ليس فقط في الفلسفة بل نشرت عدة أبحاث في الأدب والنقد الأدبي وآليات التلقي.
من أبرز عناوين كتبها: "الفلاسفة الألمان في الفلسفة التركية"، و"الفلسفة في مواجهة مشكلات العالم"، و"الأخلاق"، و"الفلسفة والتنمية الثقافية"، و"الإنسان والقيم"، و"الفلسفة الإنسانية في عصرنا".
لقبت كوتشورادي "أنيتغون عصرنا" بعد أن قال صديقها الكاتب الراحل كمال ديميريل الذي ألف عملاً بعنوان "أنتيغون"، في إحدى مقابلاته إنها بالنسبة إليه "أنتيغون هذا الزمان".
كما أن كوتشورادي نفسها كتبت عن معضلة هذه الشخصية في أكثر من موضع، خاصة في محاججتها حول قوانين العقاب والإعدام وحول حقوق الإنسان، سنجد لها قولها: "هناك لحظات في الحياة تتعارض فيها قيمتان. إنها فترة توقف، ولكن لأن الحياة لا تتوقف، فمن الضروري اتخاذ قرار. يالها من تراجيديا".
وتضيف عن أنتيغون التي عوقبت لانتهاكها القانون الذي وضعته السلطة: "إذا كانت الإنسانية جريمة، فإن الجاني الحقيقي هو من سن القوانين التي تسبب هذا النزاع"، أما عن حرية التعبير والكتابة والتفكير فقالت: "الفكر يعارضه الفكر وليس العقوبة".