مثل كثير من المجتمعات المحافظة، تخاف ضحية الاغتصاب في إيران من الشكوى، كما أنّ هنالك ثغرات قانونية تنقذ الجناة
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في إيران في الفترة الأخيرة حملة واسعة، تحدثت فيها إيرانيات عن تجاربهن المريرة مع التحرش الجنسي والاغتصاب. الحملة بدأت صدفة من دون تخطيط مسبق، أطلق شرارتها حساب على "تويتر" نشر صاحبه مجهول الهوية تغريدة "جنسية" دعا فيها الرجال إلى ممارسة الجنس مع النساء، إلى أن أعقبتها سريعاً اتهامات له من قبل امرأتين بتعرضهما للاغتصاب منه بالذات. وتحول الأمر رويداً رويداً إلى حملة واسعة، في تصرف جماعي غير مسبوق، حمل في طياته دلالات مجتمعية وثقافية عدة، لعلّ أبرزها الجرأة التي أصبحت تمتلكها الإيرانيات في كسر الحواجز المجتمعية والنفسية الحصينة، التي ظلت تمنعهن من البوح بهذه المعضلة.
ونتجت عن القضية حتى اللحظة آثار إيجابية، إذ أدت تغريدات أكثر من ثلاثين فتاة إيرانية حول اغتصابهن من قبل شاب قبل أكثر من عشر سنوات، بعد استدراجهن إلى بيته وتخديرهن، إلى اعتقاله سريعاً من قبل الشرطة وإخضاعه للتحقيق، واعترافه لاحقاً بالجريمة، وفقاً لتصريحات رئيس شرطة العاصمة الإيرانية، حسين رحيمي. لكن، لقصة الحملة الإلكترونية جوانب أخرى، فبالرغم من الإشادة التي لاقتها النساء اللواتي كسرن الحواجز وكشفن عن تعرضهن للتحرش والاغتصاب، أثارت الحملة انتقادات وتحفظات عدة، إذ شكك البعض في صحة جميع الروايات عن التحرش والاغتصاب والاتهامات لأشخاص بأسمائهم وعناوينهم، من بينهم فنانون بارزون، كون معظم الروايات نُشرت على حسابات تحمل أسماء غير حقيقية، إذ إنّ الأمر هنا قد لا يخلو من سعي أناس للتشهير بآخرين والانتقام وتسوية الحسابات لأسباب أخرى. كذلك، حمّل آخرون بعض النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب، مسؤولية ذلك، كونهن ذهبن إلى "خلوة" في البيوت وغيرها، فتعرضن للاغتصاب، وهو ادعاء معتاد في تحميل الضحية مسؤولية جريمة تعرضت لها. ولأنّ معظم قصص التحرش والاغتصاب التي كشفت عنها الحملة تعود إلى سنوات ماضية، حاول البعض التشكيك فيها من خلال طرح تساؤلات بشأن عدم متابعة هذه الجرائم قانونياً في وقتها وتركها كلّ هذه السنوات. لكن، هناك من ردّ على المنتقدين، بالقول إنّه لا يمكن اعتبار جميع الروايات التي نشرت على حسابات مجهولة الهوية بأنّها غير صحيحة، وإنّ ثمة أسباباً منطقية مجتمعية تحول دون كشف هؤلاء عن هوياتهن، وهي نفسها التي منعتهن طوال السنوات الماضية من الكشف عن جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب ومتابعتها.
هذه الأسباب يعود إلى حواجز ثقافية ومجتمعية وقانونية، أهمها خوف الضحايا من أن يؤدي الكشف عن الجريمة إلى تحميلهن وصمة عار مجتمعياً وعائلياً، كما احتمال حرق مستقبلهن المهني والحياتي عموماً. وبذلك، يتجنبن في أغلب الحالات، البوح بالأمر حتى لأسرهن، وفي الحالات التي تعلم بها الأسرة أيضاً يبقى هذا الحاجز قائماً غالباً. وبالتالي، تفضل الضحايا - وأسرهن- العيش مع هذا الكابوس طوال حياتهن، على تبعاته المجتمعية في حال الكشف عنه. كذلك، هناك ثغرات في القانون الإيراني، وفي الوقت نفسه، جهل الضحايا بالقانون وتفاصيله، تلعب دوراً مهماً في إفلات المجرمين من العدالة كما مواصلة جرائمهم. وبحسب خبراء القانون الإيراني، فإنّ من الثغرات أنّ إثبات الجريمتين؛ الاغتصاب والتحرش، في المحاكم يستدعي عملية قضائية معقدة وطويلة، وليس من السهل الإثبات. أيضاً. وبالرغم من تقديم القوانين الإيرانية تعريفاً خاصاً بالاغتصاب وتحديد عقوبة الإعدام للجناة، وفقاً للمادة 82 من قانون العقوبات الإسلامية، فإنّ هذه القوانين لا تتناول جرماً بعنوان "التحرش الجنسي" لتحدد عقوبات تشمل جميع أشكاله، لكن ثمة عقوبات متفرقة في القوانين تشمل بعض أشكال هذا الجرم.
لذلك، تعدّ الرئاسة الإيرانية حالياً مشروع قانون بعنوان توفير أمن النساء ضد العنف، يتضمن 77 مادة، ويقدم تعريفاً واضحاً حول التحرش الجنسي وأشكاله، ويتضمن برامج لتوعية المجتمع وتلاميذ المدارس، بحسب تصريحات أخيرة لنائبة الرئيس لشؤون العائلة والمرأة، معصومة ابتكار. وتعرب ابتكار عن أملها في إرساله إلى البرلمان في أقرب وقت ممكن لإقراره، مشيرة إلى أنّ المشروع يتناول بشكل شامل العنف ضد المرأة، بما فيه العنف الجنسي. أما عن جهل الضحايا بالقانون، فما يعقد عملية رفع الشكوى في المحاكم الإيرانية ويطيل أمدها، أنّ الضحايا بعد تعرضهن للجريمة، يقمن بإزالة أهم المستندات والآثار، إذ يقول المحامي الإيراني، كاوه راد، لصحيفة "شرق" في هذا الصدد، إنّ "الضحايا في الساعات الأولى من تعرضهن للاغتصاب يمحين أهم مستندات الجرم بسبب وضعهن النفسي الصعب". ويوصي راد الضحايا بـ"الاحتفاظ بجميع مستندات الاغتصاب وأدلته وعدم إزالتها قبل معاينتها من قبل الطبّ العدلي" داعياً إياهن إلى "عدم الاستحمام (من أجل الحفاظ على الحمض النووي للجاني)، وعدم استخدام المسواك، وخلع الملابس بدقة كاملة ووضعها في مظروف بلاستيكي نظيف وإغلاقه، وتسجيل جميع التفاصيل الخاصة بالجرم وزمان ومكان وقوعه".
لا أرقام رسمية حول عدد حالات التحرش الجنسي والاغتصاب في إيران، لكنّ عالم الاجتماع، سعيد مدني، يقول لوسائل إعلامية، إنّ العاصمة طهران تشهد تسجيل أكبر عدد من وقائع الاغتصاب مقارنة ببقية المحافظات، بنحو 1650 حالة سنوياً.