30 أكتوبر 2024
إيران.. ليست ثورة بعد
تشهد إيران، منذ 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعمال احتجاج، بدأت بمظاهراتٍ خرجت في مدينتي مشهد ونيشابور شمال شرق البلاد، لمواطنين يطالبون باسترداد أموال لهم أودعوها في مشاريع سكنية فاشلة، أو مؤسساتٍ مالية كانت تراهن على مكتسبات الاتفاق النووي، وباتت عاجزةً عن إعادتها إليهم، ورفضت الحكومة تعويضهم، ثم انتقلت المظاهرات إلى مدن إيران ومناطقها المختلفة. ولأن مطالبها بدأت اقتصادية ومعيشية، فقد رفعت فيها شعاراتٌ تنتقد حكومة الرئيس حسن روحاني، وسياساته الاقتصادية النيوليبرالية، خصوصا ميزانية حكومته الجديدة التي ضمنها تقليص اعتماد الحكومة على إيراداتها من النفط إلى نحو 35%، واستيفاء الباقي من طريق زيادات في الرسوم والضرائب وأسعار الوقود. وقد تبنّى مطالب الجمهور في البداية بعض رموز التيار المحافظ، في مقدمتهم إبراهيم رئيسي، منافس روحاني في انتخابات الرئاسة العام الماضي، حيث انطلقت الاحتجاجات من مدينته مشهد، وكذلك رجل الدين المحافظ أحمد خاتمي وغيرهما. لكنّ التظاهرات، عندما امتدّت إلى طهران، ثم إلى أقاليم الأطراف، حيث الفجوة التنموية هائلة مقارنة بالمدن الكبرى، حملت أبعاداً سياسيّة، فردّد المشاركون فيها هتافاتٍ مناوئةً لروحاني وسياسات النظام الخارجية وعلاقاته الإقليمية، ودعوا إلى وقف تبديد أموالهم على مساع لا طائل منها في بناء نفوذ ودعم حلفاء في الخارج، وإنفاقها بدلا من ذلك على تنمية مناطقهم ورفع مستوى معيشة أسرهم، وتوفير فرص عمل للشباب منهم.
قتل خلال أسبوع من التظاهر 22 شخصا، بحسب الحكومة، بينهم رجال أمن. ولما تزامنت هذه الاحتجاجات مع إحياء السلطات الذكرى الثامنة للقضاء على ما تسميها فتنة 2009،
بالإشارة إلى احتجاجات الحركة الخضراء التي جاءت على خلفية تزوير الانتخابات الرئاسية، فقد أغرت بعقد مقارناتٍ معها. وفي العموم، وعلى الرغم من شح المعلومات التي ترشح من داخل البلاد، نتيجة حجب النظام وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه يمكن وضع مجموعة من الملاحظات لتكوين فهم أعمق للاحتجاجات:
أولا، ما يجري من احتجاجات ليس ثورة بعد، لكنه قد يصبح كذلك، إذا انخرطت فيه شرائح اجتماعية أوسع، خصوصا من الطبقات الوسطى.
ثانيا: انتشارها أوسع مقارنة باحتجاجات عام 2009، لكن عدد المشاركين أقل.
ثالثا، بعكس احتجاجات 2009، يبدو جمهور هذه الاحتجاجات من الطبقات المهمشّة والفقيرة (أي الجمهور الذي اعتاد أن يخاطبه شعبوياً الرئيس السابق، أحمدي نجاد. لذلك من المهم البحث فيما إذا كان لنجاد دور أو مصلحة فيما يجري، في إطار صراع كبير يدور ليس فقط على خلافة المرشد خامنئي، كما يرجح بعضهم، إنما حول هوية الدولة وتوجهات النظام وجوهر عقيدته) في حين تغيب مشاركة واسعة من الطبقة الوسطى حتى الآن.
رابعا، تفتقر الاحتجاجات إلى قيادة سياسية حتى الآن، ولا يتبناها أي تيار سياسي، على الرغم من أنها بدأت بتحريض من صقور المحافظين، لكنهم لم يلبثوا أن تبرأوا منها، بعد أن بدأت تخرج عن الإطار المرسوم لها في إضعاف موقف روحاني، والنيْل من سياسات حكومته.
خامسا، عكست الاحتجاجات انقساما شديدا بين النخب السياسية في إيران والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه في مواجهة بعضها، حيث مثلت الاحتجاجات فرصةً اقتنصها معسكر المرشح الرئاسي السابق، إبراهيم رئيسي، للنيل من منافسه روحاني.
سادسا، يبدو الإصلاحيون غائبين تماما عن المشهد، حيث يدور الصراع داخل المعسكر المحافظ.
سابعا، بعكس احتجاجات 2009، تشارك في الاحتجاجات الراهنة قوى من خارج النظام، إذ لوحظ وجود شعارات لأنصار الملكية التي أسقطتها ثورة 1979، وكذلك لجماعة مجاهدي خلق المعارضة، كما لوحظ وصول الاحتجاجات إلى المناطق الطرفية ذات الأغلبية غير الفارسية، من عرب وكرد وبلوش وأذريين، وهي مناطق تعاني من تهميشٍ وإهمال كبيرين، ويشعر سكانها لذلك بشيء من التمييز، مقارنة بالمدن والحواضر الكبرى.
ثامنا، اختلاف الشعارات بحسب المناطق (ما يعني اختلافا في الأولويات والاهتمامات والأهداف لدى المحتجين) وعدم وجود ناظم عام يربط بين أهدافهم. بمعنى أنه ليس هناك تنظيم، ولا يوجد ما يؤشر إلى وجود تحالفاتٍ تعكس وحدة الأهداف بين المحتجين.
تاسعا، تبدو البيئة الإقليمية والدولية أكثر استعدادا لدعم الاحتجاجات الراهنة من عام 2009،
فأعداء النظام اليوم أكثر بكثير مما كانوا عليه سابقا، بسبب تدخلات إيران في المنطقة وتعاظم نفوذها الإقليمي. ويبدو بعضهم مستعدا لخوض معركةٍ لدعم توجهات تغيير النظام، خصوصا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وليس تغيير سياساته فحسب، كما كانت عليه الحال في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما.
عاشرا، يبدو حجم الاهتمام العالمي باحتجاجات إيران كبيرا، كما كان دائماً، على الرغم من الحذر في التعاطي معها، إذا استثنينا موقف ترامب، ما يؤكد على أهمية إيران، فأي تغيير هنا سيكون له تأثير على المشهد الجيو-سياسي الإقليمي، وحتى العالمي، بحكم العلاقة التي تربط روسيا بإيران، وتعاونهما في أكثر من ملف، خصوصا في سورية وأفغانستان، فضلاً عن موقع إيران المركزي في مشروع الحزام والطريق الصيني، والتقارب الكبير الذي تشهده العلاقات بين إيران وباكستان، بعد أن وضعهما الرئيس ترامب تقريباً في سلةٍ واحدة، فضلاً عن تأثير ذلك على تركيا والموضوع الكردي، وغير ذلك من قضايا تطل عليها إيران بحكم حجمها الكبير، وحدودها المتاخمة لأكثر أزمات المنطقة، وارتباطها بها. لذلك، سيكون أي اهتزاز للنظام في إيران حدثا عالميا بامتياز، لجهة التأثير والتداعيات، وقد يؤدي إلى تصدعات ومواجهات كبرى.
حتى الآن، لا يوجد ما يؤشر إلى أن النظام الإيراني مهدد بالاحتجاجات، وقد رد عليها بمظاهرات مؤيدة كبيرة، لكن الاحتمال قائم أن تنزلق الأمور نحو الأسوأ، إذا قرّر النظام تجاهل مطالب المحتجين، واعتماد القوة في إسكات أصوات معارضيه، كما فعل في كل المرات السابقة. فالنظام اليوم، وبعد أربعة عقود من الحكم، يقترب من لحظة الحقيقة، في بيئةٍ لم تكن يوماً بهذا العداء له، فكثيرون يسعون إلى إسقاطه، وتخريب بيته، بعد أن ساهم في إسقاط كثيرين وتخريب بيوتهم، وإذا حصل ذلك فلن يجد من ينعاه.
قتل خلال أسبوع من التظاهر 22 شخصا، بحسب الحكومة، بينهم رجال أمن. ولما تزامنت هذه الاحتجاجات مع إحياء السلطات الذكرى الثامنة للقضاء على ما تسميها فتنة 2009،
أولا، ما يجري من احتجاجات ليس ثورة بعد، لكنه قد يصبح كذلك، إذا انخرطت فيه شرائح اجتماعية أوسع، خصوصا من الطبقات الوسطى.
ثانيا: انتشارها أوسع مقارنة باحتجاجات عام 2009، لكن عدد المشاركين أقل.
ثالثا، بعكس احتجاجات 2009، يبدو جمهور هذه الاحتجاجات من الطبقات المهمشّة والفقيرة (أي الجمهور الذي اعتاد أن يخاطبه شعبوياً الرئيس السابق، أحمدي نجاد. لذلك من المهم البحث فيما إذا كان لنجاد دور أو مصلحة فيما يجري، في إطار صراع كبير يدور ليس فقط على خلافة المرشد خامنئي، كما يرجح بعضهم، إنما حول هوية الدولة وتوجهات النظام وجوهر عقيدته) في حين تغيب مشاركة واسعة من الطبقة الوسطى حتى الآن.
رابعا، تفتقر الاحتجاجات إلى قيادة سياسية حتى الآن، ولا يتبناها أي تيار سياسي، على الرغم من أنها بدأت بتحريض من صقور المحافظين، لكنهم لم يلبثوا أن تبرأوا منها، بعد أن بدأت تخرج عن الإطار المرسوم لها في إضعاف موقف روحاني، والنيْل من سياسات حكومته.
خامسا، عكست الاحتجاجات انقساما شديدا بين النخب السياسية في إيران والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه في مواجهة بعضها، حيث مثلت الاحتجاجات فرصةً اقتنصها معسكر المرشح الرئاسي السابق، إبراهيم رئيسي، للنيل من منافسه روحاني.
سادسا، يبدو الإصلاحيون غائبين تماما عن المشهد، حيث يدور الصراع داخل المعسكر المحافظ.
سابعا، بعكس احتجاجات 2009، تشارك في الاحتجاجات الراهنة قوى من خارج النظام، إذ لوحظ وجود شعارات لأنصار الملكية التي أسقطتها ثورة 1979، وكذلك لجماعة مجاهدي خلق المعارضة، كما لوحظ وصول الاحتجاجات إلى المناطق الطرفية ذات الأغلبية غير الفارسية، من عرب وكرد وبلوش وأذريين، وهي مناطق تعاني من تهميشٍ وإهمال كبيرين، ويشعر سكانها لذلك بشيء من التمييز، مقارنة بالمدن والحواضر الكبرى.
ثامنا، اختلاف الشعارات بحسب المناطق (ما يعني اختلافا في الأولويات والاهتمامات والأهداف لدى المحتجين) وعدم وجود ناظم عام يربط بين أهدافهم. بمعنى أنه ليس هناك تنظيم، ولا يوجد ما يؤشر إلى وجود تحالفاتٍ تعكس وحدة الأهداف بين المحتجين.
تاسعا، تبدو البيئة الإقليمية والدولية أكثر استعدادا لدعم الاحتجاجات الراهنة من عام 2009،
عاشرا، يبدو حجم الاهتمام العالمي باحتجاجات إيران كبيرا، كما كان دائماً، على الرغم من الحذر في التعاطي معها، إذا استثنينا موقف ترامب، ما يؤكد على أهمية إيران، فأي تغيير هنا سيكون له تأثير على المشهد الجيو-سياسي الإقليمي، وحتى العالمي، بحكم العلاقة التي تربط روسيا بإيران، وتعاونهما في أكثر من ملف، خصوصا في سورية وأفغانستان، فضلاً عن موقع إيران المركزي في مشروع الحزام والطريق الصيني، والتقارب الكبير الذي تشهده العلاقات بين إيران وباكستان، بعد أن وضعهما الرئيس ترامب تقريباً في سلةٍ واحدة، فضلاً عن تأثير ذلك على تركيا والموضوع الكردي، وغير ذلك من قضايا تطل عليها إيران بحكم حجمها الكبير، وحدودها المتاخمة لأكثر أزمات المنطقة، وارتباطها بها. لذلك، سيكون أي اهتزاز للنظام في إيران حدثا عالميا بامتياز، لجهة التأثير والتداعيات، وقد يؤدي إلى تصدعات ومواجهات كبرى.
حتى الآن، لا يوجد ما يؤشر إلى أن النظام الإيراني مهدد بالاحتجاجات، وقد رد عليها بمظاهرات مؤيدة كبيرة، لكن الاحتمال قائم أن تنزلق الأمور نحو الأسوأ، إذا قرّر النظام تجاهل مطالب المحتجين، واعتماد القوة في إسكات أصوات معارضيه، كما فعل في كل المرات السابقة. فالنظام اليوم، وبعد أربعة عقود من الحكم، يقترب من لحظة الحقيقة، في بيئةٍ لم تكن يوماً بهذا العداء له، فكثيرون يسعون إلى إسقاطه، وتخريب بيته، بعد أن ساهم في إسقاط كثيرين وتخريب بيوتهم، وإذا حصل ذلك فلن يجد من ينعاه.