في تقييم 7 أكتوبر

09 أكتوبر 2024
+ الخط -

رغم مرور عام على عملية طوفان الأقصى، وما أفرزته من نتائج، ما زال من المبكر تقييم تلك العملية. فالحرب ما زالت مستمرّة، وتبدو مرشحة للتصعيد، والتمدد، إذا ما قررت إسرائيل الرد بقوة، كما تروج، على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران، مطلع الشهر الجاري، وحاولت من خلاله استعادة الردع الذي تضرر بشدة في علاقتها بإسرائيل بعد سلسلة الضربات التي وجهتها هذه الأخيرة لإيران، بدءاً بقصف قنصليتها في دمشق في إبريل/ نيسان الماضي، وصولاً إلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، في يوليو، وانتهاءً باغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في بيروت في سبتمبر. مع ذلك، لا يستطيع المرء مقاومة إغراء الدخول في محاولة تقييم ما حدث صبيحة ذلك اليوم المفصلي، نظراً للأثر العظيم الذي سيتركه في مستقبل القضية الفلسطينية، والتداعيات التي توشك أن تغير وجه المنطقة، وقد يكون لها امتدادات عالمية أيضاً. وفي هذا ينقسم الناس إلى معسكرين، ينظر كل منهما إلى الأمر من زاوية معينة، ولكل وجهة نظر لا يستهان بها. يرى التيار الأول أن العملية أفرزت نتائج كبيرة: أذلّت إسرائيل وضربت في الصميم ادعاءات تفوقها الأمني والعسكري والتكنولوجي، أعادت القضية الفلسطينية إلى رأس قائمة الاهتمام العالمي، بعد محاولات تهميشها، كشفت حقيقة إسرائيل وعرّت سياساتها، كذلك ألحقت بالغ الأثر باقتصادها، ودفعت العملية آلاف الإسرائيليين إلى الهجرة، فيما صار قادتهم مطلوبين للمحاكم الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، فضحت الانحياز الغربي لإسرائيل، وقوضت الأرضية "الأخلاقية" التي يستند إليها في ادعاءاته المرتبطة بحقوق الإنسان، وخلقت حالة من التعاطف الدولي غير المسبوق مع القضية الفلسطينية على مستوى الشعوب والحكومات (إسبانيا، بلجيكا، أيرلندا...). أما عربياً، فقد جمدت العملية مسار التطبيع مع إسرائيل، وأعادت لفلسطين مكانتها التاريخية في الوجدان والوعي العربي، باعتبارها قضية العرب المركزية الأولى، أثبتت قدرات المقاتل العربي الفلسطيني المؤمن بقضيته في التصدي لأعتى الجيوش المجهزة بأحدث أنواع السلاح والتكنولوجيا العسكرية، وأمكنته بأدواته البسيطة من تقويض العقيدة العسكرية الإسرائيلية القائمة على مثلث الاستباق، الردع، والحسم السريع.

التيار الآخر، ورغم أنه لا ينكر أهمية الإنجازات سالفة الذكر، إلا أنه يرى أن الثمن كان باهظاً على مستوى القضية الفلسطينية سياسياً، وما جرى لأهالي غزة إنسانياً، وهو من ثم لا يعادل أبداً عوائد العملية التي يركز عليها التيار الأول. بعض أنصار هذا التيار يذهبون أبعد من ذلك، ويرون أن القرار كان في حقيقته كارثياً، متهوراً، وعدمياً، وأن حماس وقعت ضحية مفارقتين: الأولى متصلة بنجاحها في إذلال إسرائيل، والثانية متصلة بفشلها في تقدير ردّ فعل إسرائيل، ومقدار الدعم الغربي لها، ومقدار الدعم الذي كان حلفاء حماس مستعدين لتقديمه في المقابل. برأي هؤلاء، أعادت العملية القضية الفلسطينية عقوداً إلى الوراء، وقد تهدد بتصفيتها إذا نجح عتاة اليمين المتطرف في إسرائيل، بدعم من اليمين الأميركي، إن عاد ترامب إلى السلطة، في ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية. أما قطاع غزة، فقد يضطر جزء من أهله إلى هجره حال توقف الحرب بعد أن قامت إسرائيل بتدمير أجزاء واسعة منه وجعلته مكاناً غير صالح للحياة، وبعد أن قتلت أكثر من 40 ألف فلسطيني (هناك عشرة آلاف مفقود)، وأصابت نحو مائة ألف، وأعادت احتلال أجزاء منه، وكرّست حصاره وعزله بعد أن سيطرت على محور صلاح الدين (فيلادلفي). أضرار العملية، بحسب هؤلاء، لا تتوقف هنا، بل ساهمت بعد انكشاف ضعف وعمق اختراق "محور المقاومة"، في تكريس هيمنة إسرائيل على المنطقة، وتعزيز موقف دعاة التطبيع معها. قد لا يكون مهماً ذكر أن العملية أنقذت بنيامين نتنياهو وأطالت عمر حكومته اليمينية المتطرفة، التي كانت مهددة بالسقوط بسبب مسألة "الإصلاحات القضائية"، وتوحيد المجتمع الإسرائيلي المنقسم خلفها، لكن هذه أيضاً من النتائج. في كل الأحوال، مهما يكن الموقف اليوم، يبقَ الحكم على عملية طوفان الأقصى مبكّراً، فقد تتكشف للطرفين وجوه وتداعيات وقراءات لا تظهر إلا بمرور الزمن، ولكن "كان الإنسان عجولا".