إيران تستنجد برؤوس الأموال الصغيرة لمواجهة العقوبات

10 أكتوبر 2018
الركود يهدّد الأسواق الإيرانية بخسائر باهظة (Getty)
+ الخط -
تواصل الحكومة الإيرانية مساعيها لإيجاد بدائل تساعدها على مواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها بسبب العقوبات الأميركية، ما دفعها إلى الاتجاه نحو جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، ولا سيما رؤوس الأموال الصغيرة، لإسعاف أسواقها المنهكة.
وقررت الحكومة منح إقامة لخمس سنوات في إيران للأجانب الذين يستثمرون في البلاد بما قيمته 250 ألف دولار، وتزامن ذلك وحصول تحسن نسبي في سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار الأميركي، بعد انهيار شديد أصابها منذ انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي بين طهران والسداسية الدولية في مايو/ أيار الفائت.

وتأتي هذه الخطوة ضمن السياسات الجديدة التي أعلنها البنك المركزي الإيراني قبل فترة وجيزة والتي تخص سوق صرف العملة الصعبة، إلا أن مراقبين أكدوا لـ"العربي الجديد"، أن إجراءات الحكومة لجذب الاستثمارات الأجنبية تواجهها تحديات وعقبات عديدة، أبرزها سيطرة النفط على الاقتصاد الإيراني وانحسار القطاعات الأخرى، وتصاعد مخاوف المستثمرين من اقتراب الحزمة الثانية من العقوبات والتي تشمل النفط في الشهر المقبل، بالإضافة إلى الاضطرابات وعدم الاستقرار بالأسواق المحلية.
ويرى الخبير في القطاع السياحي والاقتصادي الإيراني مرتضى شربياني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التسهيلات الأخيرة الخاصة بمنح الإقامة قد تكون مفيدة في السياحة الدينية والطبية على وجه الخصوص، وقد تشجع بعض المستثمرين من المنطقة العربية والإسلامية بالذات على القدوم إلى إيران، لكنها لن تشمل مساحات ومناطق أوسع.

وأضاف أن هذا القرار قد يكون مفيدا للاستثمارات الصغيرة والمتوسطة وحسب، لا تلك الكبرى التي تشمل قطاع الطاقة والنفط بالذات، فتلك تحتاج لأكثر من ذلك، حسب وصفه، قائلا إن أصحاب هذه الاستثمارات الأخيرة من الشركات الأجنبية الكبرى، التي قد تكون غير معنية بمسألة التشجيع وتقديم التسهيلات من خلال الحصول على إقامة في طهران.
واعتبر شربياني أن هذا القرار سيواجه بعض العراقيل المتعلقة بالأنظمة الإدارية والمالية في البلاد، إلا أنه وصفه بالجيد كونه يدل على أن الحكومة تسعى لإيجاد خيارات بديلة، مؤكدا أن الاستثمارات حتى لو لم تكن كبرى وضخمة قد تساعد إيران نوعا ما بعدما عادت العقوبات الأميركية عليها.

وحسب مراقبين، فإن الدول الأوروبية الباقية في الاتفاق النووي والمصرّة على استمراره بغية تقييد نشاط طهران النووي وعدم تضييع جهود سنوات طويلة من المفاوضات، ما زالت لم "تصك" مع إيران حزمة الضمانات المفترض تقديمها كي تستطيع حصد مكاسبها الاقتصادية منه دون أن تكون أميركا طرفا فيه، وهو ما يعني عدم وجود طمأنة حقيقية قد تمنحها إيران للمستثمرين إلى جانب التسهيل الجديد المتعلق بالإقامة.
وأكد المحلل والصحافي الاقتصادي مهدي بيك، تشجيع القرارات الأخيرة للأجانب إلى جانب بعض الإيرانيين المقيمين في الخارج ممن يحملون جنسيات أخرى على القدوم بأموالهم للبلاد.

وتوقع بيك ألا تتحقق الغايات من هذا الأمر بشكل عملي، فإيران التي تعتمد على النفط بشكل كبير، تستخدم عائداته في العادة للقيام بالمشاريع الاستثمارية، وليس لديها أي مصادر حقيقية أخرى لتزيد من الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية، معتبرا أن الموضوع يصب لصالح أمر واحد وحسب ألا وهو محاولة تنويع مصادر الاستثمار، واصفا ذلك بالهدف الضروري.

وبرر بيك توقعاته بعدم تحقيق الأهداف التي توخاها هذا القرار بوجود حاجة لدى الاقتصاد الإيراني لإجراء تعديلات بنيوية، فالمستثمر يحتاج لظروف اقتصادية منتعشة أو مستقرة على الأقل، ليقتنع بوضع رأس ماله في إيران، فالأمر لا يقف عند تقديم إغراء بالحصول على الإقامة التي قد تسهل ذهاب وإياب عدد من التجار والمستثمرين، لكن هؤلاء بحاجة لقوانين تحميهم وتحمي أموالهم، وتسهل التبادلات المالية، وهو ما يفتقده النظام المصرفي والمالي الإيراني حتى الآن.
وتحاول طهران تجاوز عقبات مالية واقتصادية لجذب رؤوس الأموال عبر العديد من الإجراءات، ومنها تصويت مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بالموافقة على إقرار مشروع الانضمام لاتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب، يوم الأحد الماضي، بعد أشهر من الجدل الكبير والخلاف الواسع بين تيارات الداخل، والذي يرتبط بأسباب سياسية واقتصادية، إلا أن الحكومة المعتدلة التي تسعى جاهدة للحفاظ على الاتفاق النووي وتحصين نفسها من العقوبات الأميركية التي ستشتد مع وصول الحزمة التي تستهدف القطاع النفطي، تريد أن تزيل العراقيل التي تقف بوجه التبادلات المالية.

وبالتالي أصرت الحكومة على إقرار هذه الاتفاقية وغيرها من التوصيات التي طلبتها مجموعة العمل المالي لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال المعروفة باسم (فاتف) والتي وضعت إيران على قائمتها السوداء، وهو ما يعطّل بشكل أو بآخر الاستثمارات الأجنبية فيها.
ومنذ صدور القرار الأميركي وانسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، شهدت السوق الإيرانية انسحاب عدد من المستثمرين والشركات الأجنبية الكبرى، وقلصت شركات يابانية وارداتها من النفط الإيراني، كما أعلنت شركات ألمانية للسكك الحديدية عن خروجها من السوق الإيرانية، تخوفا من أن تطاولها العقوبات الأميركية، إلى جانب توتال ورينو وغيرها.

المساهمون