تصاعد الجدل من جديد، بين حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني ونواب البرلمان، بعد رفضهم منح الثقة لمحمود نيلي أحمد أبادي، المرشح الثالث الذي اقترحه روحاني، لتولّي منصب وزير التعليم، بعد عزل الوزير السابق رضا فرجي دانا، لتتحوّل بذلك مسألة وزارة التعليم إلى معضلة، وليبقى منصب الوزير شاغراً.
ويأتي رفض البرلمان ترشيح أبادي، بعد رفضه سابقاً منح الثقة لجعفر ميلي منفرد، كما تراجع روحاني عن ترشيح اسم جعفر توفيقي للمنصب ذاته، قبل عزل دانا الذي استطاع أن يتجاوز امتحان البرلمان الأول، لكنه لم ينفذ بجلده من العزل، بعد المساءلة العلنيّة إبّان تسعة أشهر من توليه لعمله.
وتبدو الأسباب معروفة للجميع في إيران، فكل هذه الأسماء ترتبط بالتيّار الإصلاحي، ومنها من وُجّهت إليها أصابع اتهام النواب المحافظين، الذين يسيطرون على غالبيّة مقاعد المجلس، فتمّ وصفهم بداعمي الفتنة ومثيري البلبلة، إثر مواقف موالية لمناصري الحركة الخضراء، الذين أطلقوا احتجاجات عام 2009 بسبب تشكيكهم بنتائج الانتخابات الرئاسيّة التي فاز بموجبها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، بدورة رئاسيّة ثانية، على منافسه الإصلاحي مير حسين موسوي.
تتهم بعض الأطراف النواب بتقديم حجج واهية ومناقشة كل الأمور إلا برامج نيلي أحمد أبادي وجدول عمله، ويرى البعض الآخر أنّ النواب يقفون بوجه زعزعة المؤسّسات التعليميّة، أما روحاني فقال صراحة إنّه يحترم قرار السلطة التشريعيّة، رغم إلقائه كلمة حادة أمام النواب، طالبهم فيها بعدم تسييس الأمر وتحقيق انسجام داخلي وعدم تجاوز رغبات المواطنين الإيرانيين، في حين تأرجح النواب بين مؤيّد ومعارض.
ولم تغب الصحف الإيرانيّة عن متابعة القضيّة، فاعتبرت صحيفة "كيهان"، المحسوبة على المحافظين المتشدّدين، أنّ "مجلس الشورى الإسلامي أو البرلمان أكّد مصالح الإيرانيين مرة أخرى، برفضه منح الثقة". وردّت، في تقرير خاص على تصريحات روحاني، فاعتبرت أنّه يركز دائماً على أنّ غالبية الإيرانيين اختاروه عبر صناديق الاقتراع، ووقوف المجلس أحياناً ضدّه يعني وقوفاً ضدّ الإيرانيين، لتخلص إلى أنّ البرلمان يمثّل السلطة الحقيقيّة للشعب، في وقت اختار فيه الإيرانيون كذلك نوابهم.
وتوّقفت الصحيفة عند مطالبة روحاني بعدم اتباع سياسات عنيدة واعتباره أن حكومته ليست طرفاً عنيداً، منتقدة مواقفه هذه التي قالت إنّها موجّهة للنواب، وأسلوبه بتقديم أسماء متشابهة لهذه الوزارة، على الرغم من الرفض المتكرّر.
على الضفّة الأخرى، ينتقد الإصلاحيون البرلمان وسياسات الرئيس المعتدل، الذي يتموضع في خطّ الوسط، بين التيّارين المحافظ والإصلاحي، في آن معاً. ويعتبر المحلّل الإيراني صادق زيبا كلام، وفق ما أروده في افتتاحية صحيفة "شرق" الإصلاحية، أول من أمس، أنّ البرلمان متخوّف من فتح المجال في الجامعات، ومعجب بالجو الذي فُرض زمن نجاد بعد عام 2009، وهو الجو الذي يصفه روحاني نفسه بـ"الأمني".
وبعد تلك الاحتجاجات، تمّ وقف العديد من الاساتذة عن العمل، والطلاب عن إكمال الدراسة بسبب مواقفهم السياسيّة، ليأتي فرجي دانا ويعيد عدداً منهم إلى مناصبهم، ويوظّف آخرين لم يحظوا بثقة البرلمان، حتّى أنّه اتّهم مقرّبين من نجاد بالحصول على منح دراسيّة من وزارة التعليم، من دون استيفاء الشروط.
ويعتبر زيبا كلام أنّه على الرغم من كلّ هذا التشنّج، لكنّ روحاني لا يزال مقصراً في هذا الصدد. فهو يقدّم الأسماء من دون أن يتقارب مع النواب، ومن دون أن يحاول تشكيل "لوبي" نيابي داعم له في البرلمان، الذي يتخوّف معظم أعضائه من إخلال النظام في الجامعات. لذا، فهم يفضّلون السياسات "النجاديّة"، التي تحقّق الهدوء على الأقلّ، في وقت يستطيع فيه الرئيس المعتدل طمأنة الهواجس من خلال تقديم مرشحين، غير مثيرين للجدل، من دون أن يسبّب صداعاً للنواب، ليكون بالتالي الرابح الأكبر.
ويفضح الصراع الخفي بين الرأيين الإصلاحي والمتشدّد، حقيقة الصراع القائم في المعادلة السياسية، والذي يتجاوز مسألة تعيين وزير التعليم، المشرف على الجامعات والمؤسّسات التعليمية، ويُعدّ روادها من المؤثرين في البلاد، بشكل أو بآخر.
وكان 160 نائباً، رفضوا منح الثقة لأحمد أبادي، في حين وافق 79 وامتنع سبعة عن التصويت، في الجلسة التي عقدت صباح الأربعاء الماضي، علماً أنّه قبل أقل من سنة تقريباً، أعطى 159 نائباً أصواتهم لفرجي دانا، ورفضه 70 وامتنع 32 من الحاضرين آنذاك عن الإدلاء بأصواتهم. وعلى الرغم من أنّ تركيبة البرلمان لم تتغير منذ ذلك الحين، لكنّ تبدّل الأصوات يعكس تحوّلاً في أروقة البرلمان، لا يصب بالتأكيد، في صالح روحاني.
وينقسم المحافظون أنفسهم، إلى جبهات عدّة تتباين حول العديد من المسائل، على الرغم من اتفاقها على الإطار المحافظ العام. ويبدو أن خمسة وعشرين نائباً فقط، ينتمون إلى جبهة الثبات، استطاعوا أن يجذبوا أخيراً بقية النواب المحافظين إلى صفّهم، بعد أن كانوا على خلاف معهم جميعاً، نتيجة سياسات ترتبط بالرئيس السابق.
وتقف هذه الجبهة، التي يُعدّ أعضاؤها من المقرّبين من تيّار نجاد، بالمرصاد لروحاني، وهم أول من رفعوا لواء مساءلة وزير التعليم المعزول، واستطاعوا الحصول على موافقة كثيرين لإحالته إلى جلسة الاستجواب، ولم يعد هؤلاء وحدهم، بعد أن انضمّ إليهم اليوم كلّ أعضاء جبهة خط الولاية المحافظة أيضاً، من خلال استغلال الظرف الراهن.
ويبشّر هذا الواقع بنقطة لصالح "الثبات" بعد سنوات من الخلافات، كما يبشّر بشرخ جديد بين المحافظين والإصلاحيين، في موازاة توقعات بالتوجّه أكثر لمحاصرة روحاني المعتدل، المقرّب من الإصلاح، وهو ما يوحي بإمكانيّة استدعاء وزراء آخرين في حكومته لمساءلتهم مستقبلاً.
وفي المحصّلة، لا يصبّ الواقع القائم، وفق مراقبين، في مصلحة السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، في آن معاً، فالحكومة لا تفي بوعودها ولا تحاول مجاراة البرلمان، ولا جذب حلفائها الكثر نحوها، باعتبارها حكومة اعتدال ومن المفترض أن تلتفّ حولها كل خطابات التيارات. وفي المقابل، يتّجه البرلمان نحو تسييس معظم القضايا، من دون أن يتنبّه إلى أنّه بات يجاري أقليّة فيه، نتيجة الاتفاق على بعض النقاط، بعد أن كان على خلاف حاد معها قبل سنتين.
ويبدو أنّ الإيرانيين، أساتذة وطلاباً في الجامعات، هم الفئة الأكثر وعياً لما يجري بين التيّارات البرلمانيّة، لا سيّما أنّهم الأكثر تأثراً خلال هذه المرحلة، فالصراع السياسي الذي بدأته أقليّة، قد تجعلهم الأقوى على الساحة، وتجعل الموالين لهم الأكثر تأثيراً. ولا يصبّ ذلك بالتأكيد في مصلحة جبهة الاعتدال في الانتخابات التشريعية، المقرّرة العام المقبل، ما لم تستدرك حكومة روحاني الأمر، في أسرع وقت، باعتبار أنّها ستكون الطرف الذي سيتحمّل الضغط الأكبر، من الجهات كافة.