04 مايو 2016
إيحاءات واعدة في 2016
انتهى، يوم أمس، عام 2015، وقد تميز بأحداث وبإنجازات عدة، وأيضاً بإخفاقات فاضحة. كما أن كثيراً مما تحقق كان واضحاً وأحياناً ملهماً، مثل الاستقبال الذي تميز بالحنان للاجئين السوريين من رئيس وزراء كندا، جاستين ترودو، في مطار توليدو، حيث رحب بهم كمواطنين كنديين. وقد جعل هذا الترحيب والاحتضان التلقائي من اللاجئين مواطنين أحراراً في بلاد صمم رئيسها أن يجعل منها وطناً، يحتفل بتنوع مواطنيه، لا بتعددهم. من شأن هذا الأمر أن يضمن المساواة والحرية للمواطنين، خصوصاً الجدد منهم، ويلغي أي تمييز بين مواطني كندا.
كرّس ترودو، منذ تبوأ رئاسة الحكومة، نموذجاً للحكم الرشيد، ما جعل كندا دولة تعتمد الانفتاح، وترفض التمييز وتحتفل بانتصارها على الانطواء والتقوقع. ويا للمفارقة بين دفء الترحيب الكندي باللاجئين وسخاء المساعدة الفورية لهم، ودعوة المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، إلى منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. إنه يتصرف وكأنه وريث الكو كلوكس كلان (المنظمة التي تدعو إلى التمييز العرقي في الولايات المتحدة) في خطاباته العنصرية والإقصائية، بات يشكل ظاهرة مرضية، من شأنها أن تحول دون جدية ترشحه. فبعد إهانته المرشحة الديمقراطية للرئاسة، هيلاري كلينتون بألفاظ نابية، ما زال ترامب يتمسك بمواقفه التحريضية والشعبوية، والمخيف أن هذه الظاهرة تلاقي بعض التجاوب معها، وهي تشكل خطراً فاشستياً في الولايات المتحدة، غير أن المجتمع الأميركي، وعلى الرغم من هذه النتوءات سيبقى متماسكاً، وكما رأينا مع انتخاب باراك أوباما، سوف يكون الرد حاسماً على هذا المنحى الخطير الذي يهدد القيم التي يشترك فيها كل الأميركيين على تباين آرائهم والخلافات السياسية التي تميزهم.
كان عهد أوباما الذي ينتهي في مطلع 2017 مميزاً بإنجازات كرّس بعضها، منها المحكمة العليا الأميركية، مثل الإصلاحات في نظام الضمان الصحي التي كانت جزءاً رئيسياً من برنامجه الانتخابي. عارض الجمهوريون برنامج أوباما الصحي بشدة، في بادئ الأمر، إلا أن إصرار بعض الحكام الجمهوريين على تطبيقه في ولاياتهم جعله نافذاً، على الرغم من المعارضة المستمرة له من حفنة من النواب المحافظين في الكونغرس. كما أن الرئيس أوباما نجح في إبرام الاتفاقية النووية مع إيران، على الرغم من محاربة إسرائيل لها من خلال اللوبي الإسرائيلي في واشنطن إيباك، غير أن أوباما أصر على موقفه، على الرغم من الهجمات الشرسة ضد الاتفاقية، الأمر الذي يظهر قناعته بصوابية الحلول الدبلوماسية، مدعوماً من جميع أعضاء مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا. الجدير بالذكر أن إيران بدأت، أخيراً، إرسال شحنات اليورانيوم إلى روسيا، إيذاناً بتطبيق هذه الاتفاقية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى رفع العقوبات عنها، كي تستعيد دورها التجاري والمالي والنفطي في الأسواق العالمية. كذلك من المهم الإشارة إلى أن الاجتماع المزمع عقده في العاشر من مارس/آذار 2016 بين الرئيس الأميركي أوباما ورئيس الوزراء الكندي ترودو سيتم في إطار دعوة وجهها أوباما إلى ترودو للقيام بـ"زيارة دولة" لأول مرة منذ 1997، ما يشير إلى طي صفحة الفتور التي شابت العلاقة بين أوباما وسلف ترودو، ستيفان هاربر.
وقد كان انتخاب أوباما في دورتين دليلاً على النجاح الذي حققه في الولاية الأولى من رئاسته،
كما أن المواقف التي اتخذها في أمور عالمية مثل التغير المناخي كان لها الوقع الإيجابي عملياً، بتأييد دولي غير مسبوق، وإصراره على الاستمرار في هذا الشأن، على الرغم من عراقيل كثيرة تغلب عليها. وقد صدرت المعاهدة، وستكون النواحي الإيجابية فيها من أهم التطورات الحاصلة في المستقبل القريب. كما تميّز أوباما بخطاباته المؤثرة، والتي تركت بصمات واضحة في المجتمع الأميركي، وأحياناً على المستوى الدولي. نذكر منها، مثلاً، كلمته في إحدى كنائس ولاية كارولينا الجنوبية، إثر قتل شاب متطرف مصلين سوداً. وكذلك نذكر خطابه بمناسبة عيد الميلاد هذا العام، وقد قال، تعليقاً على ما يتعرض له المسيحيون في الشرق الأوسط، على أيادي داعش إن "أجراس الكنائس التي دقت احتفالاً بالعيد في الماضي ستكون صامتة هذه السنة. هذا الصمت شاهد على الجرائم الفظيعة التي يرتكبها داعش ضد المسيحيين".
ولا بد لنا، في طور الحديث عن العام 2015، أن نذكر دور البابا فرانسيس الإنساني والحضاري ببساطة تلقائية، دخلت مباشرة إلى قلوب الناس، ما جعله رمزاً وراعياً على المستوى العالمي بمختلف مكوناته. وعلى الرغم من سلبيات كثيرة عانى منها المجتمع الدولي والحروب العبثية في سورية والعراق واليمن وليبيا، واستمرار العدوان الإسرائيلي على فلسطين وشعبها، شهد العام 2015 مزيداً من الوعي في المجتمع الدولي على خطورة دور إسرائيل ونواياها في المنطقة، وحقيقة المشروع الإسرائيلي الذي يكشفه استمرارها ببناء المستوطنات. وقد انعكس تنامي الوعي هذا بمواقف دولية صارمة تجاه إسرائيل، أبرزها موقف الاتحاد الأوروبي من مقاطعة البضائع المصنعة في المستوطنات، وأخيراً موقف البرازيل التي رفضت تعيين السفير الإسرائيلي المقترح لديها كونه من قادة المستوطنين في الأراضي المحتلة. ولقد توج الدعم العالمي المتزايد للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين بأكثرية ساحقة.
أدت الأحداث المؤسفة والأليمة في سورية والعراق، والفوضى القائمة هناك، إلى هجرة غير مسبوقة، حيث جازف مئات الآلاف من المواطنين بحياتهم وعائلاتهم وأرزاقهم، ساعين إلى اللجوء إلى مناطق آمنة خاصة في أوروبا. وقد فاجأت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، العالم بانفتاحها الإنساني على استضافة وإقامة حوالي 800 ألف من اللاجئين السوريين، مؤمنة لهم الملجأ والعيش الكريم. كما أنها ضغطت على الاتحاد، لكي يستقبل أعداداً منهم.
وفي مقابل السلبيات التي تحدثنا عنها، يحدونا الأمل الأقرب إلى القناعة بأن يجد العالم حلولاً سلمية للحروب التي تعصف به، كالحرب في اليمن والأزمة السورية، والوضع في ليبيا، وقضية فلسطين. وفي لبنان، نأمل في أن يتم انتخاب رئيس جديد، يتمتع بكفاءة عالية، أمثال زياد بارود ورياض سلامة ودميانوس قطار، والابتعاد عن الحسابات الطائفية الضيقة. ولا بد من التأكيد، هنا، على أن الرئيس تمام سلام يقود سفينة الحكم بحكمة وجدارة وصبر، إلا أن انتخاب رئيس للجمهورية يبقى أولوية ماسة.
هذا قليل من كثير، وكل عام والأمة العربية وشعبها بخير وسلام.
كرّس ترودو، منذ تبوأ رئاسة الحكومة، نموذجاً للحكم الرشيد، ما جعل كندا دولة تعتمد الانفتاح، وترفض التمييز وتحتفل بانتصارها على الانطواء والتقوقع. ويا للمفارقة بين دفء الترحيب الكندي باللاجئين وسخاء المساعدة الفورية لهم، ودعوة المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، إلى منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. إنه يتصرف وكأنه وريث الكو كلوكس كلان (المنظمة التي تدعو إلى التمييز العرقي في الولايات المتحدة) في خطاباته العنصرية والإقصائية، بات يشكل ظاهرة مرضية، من شأنها أن تحول دون جدية ترشحه. فبعد إهانته المرشحة الديمقراطية للرئاسة، هيلاري كلينتون بألفاظ نابية، ما زال ترامب يتمسك بمواقفه التحريضية والشعبوية، والمخيف أن هذه الظاهرة تلاقي بعض التجاوب معها، وهي تشكل خطراً فاشستياً في الولايات المتحدة، غير أن المجتمع الأميركي، وعلى الرغم من هذه النتوءات سيبقى متماسكاً، وكما رأينا مع انتخاب باراك أوباما، سوف يكون الرد حاسماً على هذا المنحى الخطير الذي يهدد القيم التي يشترك فيها كل الأميركيين على تباين آرائهم والخلافات السياسية التي تميزهم.
كان عهد أوباما الذي ينتهي في مطلع 2017 مميزاً بإنجازات كرّس بعضها، منها المحكمة العليا الأميركية، مثل الإصلاحات في نظام الضمان الصحي التي كانت جزءاً رئيسياً من برنامجه الانتخابي. عارض الجمهوريون برنامج أوباما الصحي بشدة، في بادئ الأمر، إلا أن إصرار بعض الحكام الجمهوريين على تطبيقه في ولاياتهم جعله نافذاً، على الرغم من المعارضة المستمرة له من حفنة من النواب المحافظين في الكونغرس. كما أن الرئيس أوباما نجح في إبرام الاتفاقية النووية مع إيران، على الرغم من محاربة إسرائيل لها من خلال اللوبي الإسرائيلي في واشنطن إيباك، غير أن أوباما أصر على موقفه، على الرغم من الهجمات الشرسة ضد الاتفاقية، الأمر الذي يظهر قناعته بصوابية الحلول الدبلوماسية، مدعوماً من جميع أعضاء مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا. الجدير بالذكر أن إيران بدأت، أخيراً، إرسال شحنات اليورانيوم إلى روسيا، إيذاناً بتطبيق هذه الاتفاقية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى رفع العقوبات عنها، كي تستعيد دورها التجاري والمالي والنفطي في الأسواق العالمية. كذلك من المهم الإشارة إلى أن الاجتماع المزمع عقده في العاشر من مارس/آذار 2016 بين الرئيس الأميركي أوباما ورئيس الوزراء الكندي ترودو سيتم في إطار دعوة وجهها أوباما إلى ترودو للقيام بـ"زيارة دولة" لأول مرة منذ 1997، ما يشير إلى طي صفحة الفتور التي شابت العلاقة بين أوباما وسلف ترودو، ستيفان هاربر.
وقد كان انتخاب أوباما في دورتين دليلاً على النجاح الذي حققه في الولاية الأولى من رئاسته،
ولا بد لنا، في طور الحديث عن العام 2015، أن نذكر دور البابا فرانسيس الإنساني والحضاري ببساطة تلقائية، دخلت مباشرة إلى قلوب الناس، ما جعله رمزاً وراعياً على المستوى العالمي بمختلف مكوناته. وعلى الرغم من سلبيات كثيرة عانى منها المجتمع الدولي والحروب العبثية في سورية والعراق واليمن وليبيا، واستمرار العدوان الإسرائيلي على فلسطين وشعبها، شهد العام 2015 مزيداً من الوعي في المجتمع الدولي على خطورة دور إسرائيل ونواياها في المنطقة، وحقيقة المشروع الإسرائيلي الذي يكشفه استمرارها ببناء المستوطنات. وقد انعكس تنامي الوعي هذا بمواقف دولية صارمة تجاه إسرائيل، أبرزها موقف الاتحاد الأوروبي من مقاطعة البضائع المصنعة في المستوطنات، وأخيراً موقف البرازيل التي رفضت تعيين السفير الإسرائيلي المقترح لديها كونه من قادة المستوطنين في الأراضي المحتلة. ولقد توج الدعم العالمي المتزايد للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطين بأكثرية ساحقة.
أدت الأحداث المؤسفة والأليمة في سورية والعراق، والفوضى القائمة هناك، إلى هجرة غير مسبوقة، حيث جازف مئات الآلاف من المواطنين بحياتهم وعائلاتهم وأرزاقهم، ساعين إلى اللجوء إلى مناطق آمنة خاصة في أوروبا. وقد فاجأت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، العالم بانفتاحها الإنساني على استضافة وإقامة حوالي 800 ألف من اللاجئين السوريين، مؤمنة لهم الملجأ والعيش الكريم. كما أنها ضغطت على الاتحاد، لكي يستقبل أعداداً منهم.
وفي مقابل السلبيات التي تحدثنا عنها، يحدونا الأمل الأقرب إلى القناعة بأن يجد العالم حلولاً سلمية للحروب التي تعصف به، كالحرب في اليمن والأزمة السورية، والوضع في ليبيا، وقضية فلسطين. وفي لبنان، نأمل في أن يتم انتخاب رئيس جديد، يتمتع بكفاءة عالية، أمثال زياد بارود ورياض سلامة ودميانوس قطار، والابتعاد عن الحسابات الطائفية الضيقة. ولا بد من التأكيد، هنا، على أن الرئيس تمام سلام يقود سفينة الحكم بحكمة وجدارة وصبر، إلا أن انتخاب رئيس للجمهورية يبقى أولوية ماسة.
هذا قليل من كثير، وكل عام والأمة العربية وشعبها بخير وسلام.