قبل عام 2005 كان المولود لأمّ جزائرية وأب أجنبي يحلم لو كان والده جزائرياً حتى يحظى بالجنسية الجزائرية بقوّة القانون، ويتخلّص من إكراهات الدخول والإقامة والخروج. أما المولود لأبوين جزائريين فيتمنّى لو كان أحد أبويه أجنبياً غربياً حتى يحمل جنسيته، خصوصاً إذا كانت فرنسية أو أميركية أو ألمانية، فلا يجد نفسه مضطراً إلى الهجرة غير الشرعية.
في إطار الدراسة والعمل وغيرهما، تزوّجت آلاف الجزائريات، منذ الاستقلال الوطني عام 1962، برجال يحملون جنسيات عربية وغربية، وأنجبن منهم أطفالاً حملوا جنسياتهم. هو ما عدّه كثيرون مكسباً في البداية، ثم سرعان ما تحوّل إلى معاناة كبيرة، في حال طلاق الأم أو ترمّلها واضطرارها إلى العودة إلى الجزائر. فقانون الجنسية الجزائري الذي يعود تاريخه إلى 15 / 12 / 1970 لم يمكّن الأم المتزوجة من أجنبي من منح جنسيتها لأطفالها.
تروي نزيهة لـ"العربي الجديد" أنها تعرّفت على مهندس روسي فرافقته إلى بلاده بعد زواجهما عام 1997، غير أنها فقدته في حادث عمل بعد سنتين، مخلّفاً لها طفلتين. تعلق: "لم أستطع أن أبقى هناك، في ظلّ غياب المعيل، ولم أستطع أن أعود إلى وطني وأترك ابنتيّ، لأنّ القانون لا يمنحهما جنسيتي".
تقول نزيهة إنّها عاشت ستة أعوام صعبة، لم تعد فيها إلى الجزائر إلاّ مرّة واحدة: "كنت كلّما فكرت حينها في أنني سأقضي بقية حياتي مخيّرة بين نسيان أهلي أو نسيان نسلي، دخلت في نوبة كآبة، وهو ما دفعني إلى مراسلة اللجنة القانونية في مجلس الشعب لمطالبتها بسنّ قانون يقرّ بحقّ ابنتيّ في جنسيتي".
لم تكن نزيهة الوحيدة. سبقتها تحركات منظمات حقوقية وأحزاب وجمعيات مدنية، مارست من خلالها ضغطاً على الحكومة للقيام بهذه الخطوة التي كانت مرفوضة في الدوائر الرسمية لـ"دواع وطنية". كلّ شيء تغير في 27 فبراير/ شباط 2005.
ذلك اليوم شكّل بالنسبة لنزيهة وشبيهاتها عرساً حقيقياً وولادة جديدة لهن. تقول: "تفوّق فرحي بتعديل القانون على فرحي بولادة توأمي، وباشرت إجراءات حصولهما على الجنسية الجزائرية مباشرة. أنا اليوم مستقرّة معهما في الجزائر العاصمة رفقة جدّيهما، ولأنهما تملكان الجنسيتين معاً، فهما تذهبان إلى روسيا وتعودان إلى الجزائر من دون أيّ مشاكل".
في السياق نفسه، يقول محسن ن. (30 عاماً) إنّه ولد لأب مغربي وأمّ جزائرية، وحدث أن طلق والده أمّه عام 1996، فجاء للعيش برفقتها في الجزائر. ولأنّ القانون الجزائري كان يعدّه من رعايا المغرب، فقد كان يلزمه بالعودة إلى المملكة كلما انتهت مدة إقامته، ودخول الجزائر من جديد، للبقاء مع أمّه فترة أخرى. يقول: "أتعبني الوضع نفسياً ومادياً، فالحدود مغلقة ولا وسيلة للتنقل غير الطائرة". يضيف: "لكن، بعد تعديل القانون وحصولي على الجنسية الجزائرية، تخلّصت من كلّ تلك الكوابيس".
اقــرأ أيضاً
هذا الواقع الجديد، شجّع الجزائريات، في السنوات العشر الأخيرة، على الزواج من رجال أجانب، خصوصاً في ظلّ رغبة قطاع واسع من الشابات في الإقامة بالخارج. يقول أحد الدبلوماسيين في السفارة الجزائرية بفرنسا، وقد رفض الكشف عن هويته، إنّهم سجلوا ارتفاعاً ملموساً في نسبة الزواج المختلط. يفسر: "كانت الجزائرية قبل عام 2005 تزهد في الزواج من أجنبي، خوفاً من حرمان أولادها من جنسيتها، أمّا اليوم، فقد تسبّب زوال هذا الخوف في انتعاش هذا الزواج".
عن قانون الجنسية الجزائري، يقول المحامي محمد عاطف بريكي لـ "العربي الجديد" إنّ المشرّع تعامل مع أحكام الجنسية بمرونة بالغة "عندما ترك الباب مفتوحاً لما تمليه الاتفاقيات الدولية من أحكام تبعاً لتطبيقات فرضتها حالة الأشخاص في أرض الواقع، والتي لا يمكن حصرها بين دفتي قانون ببضع مواد. وهو الأمر الذي نلمسه في الاتفاقيات التي صادقت عليها الجزائر مثل اتفاقية أطفال الأزواج المختلطين الجزائريين والفرنسيين في حال الإنفصال، واتفاقية نيويورك المتعلقة بتسديد النفقة الغذائية للأطفال في الخارج".
من هنا، يتابع: "يعدّ جزائرياً كلّ طفل مولود من أب جزائري أو من أم جزائرية، بغض النظر عن هوية زوج المواطنة الجزائرية. وهو ما نصّت عليه المادة (6) في الباب المتعلق بالجنسية الجزائرية (الأصلية). وبالتالي، فإنّ الأطفال الذين هم نتاج زواج مختلط تكون فيه الأم جزائرية والأب أجنبياً يحملون الجنسية الجزائرية بقوة القانون، تبعاً لحق الدم الجزائري المنحدر من المواطنة الجزائرية".
اقــرأ أيضاً
في إطار الدراسة والعمل وغيرهما، تزوّجت آلاف الجزائريات، منذ الاستقلال الوطني عام 1962، برجال يحملون جنسيات عربية وغربية، وأنجبن منهم أطفالاً حملوا جنسياتهم. هو ما عدّه كثيرون مكسباً في البداية، ثم سرعان ما تحوّل إلى معاناة كبيرة، في حال طلاق الأم أو ترمّلها واضطرارها إلى العودة إلى الجزائر. فقانون الجنسية الجزائري الذي يعود تاريخه إلى 15 / 12 / 1970 لم يمكّن الأم المتزوجة من أجنبي من منح جنسيتها لأطفالها.
تروي نزيهة لـ"العربي الجديد" أنها تعرّفت على مهندس روسي فرافقته إلى بلاده بعد زواجهما عام 1997، غير أنها فقدته في حادث عمل بعد سنتين، مخلّفاً لها طفلتين. تعلق: "لم أستطع أن أبقى هناك، في ظلّ غياب المعيل، ولم أستطع أن أعود إلى وطني وأترك ابنتيّ، لأنّ القانون لا يمنحهما جنسيتي".
تقول نزيهة إنّها عاشت ستة أعوام صعبة، لم تعد فيها إلى الجزائر إلاّ مرّة واحدة: "كنت كلّما فكرت حينها في أنني سأقضي بقية حياتي مخيّرة بين نسيان أهلي أو نسيان نسلي، دخلت في نوبة كآبة، وهو ما دفعني إلى مراسلة اللجنة القانونية في مجلس الشعب لمطالبتها بسنّ قانون يقرّ بحقّ ابنتيّ في جنسيتي".
لم تكن نزيهة الوحيدة. سبقتها تحركات منظمات حقوقية وأحزاب وجمعيات مدنية، مارست من خلالها ضغطاً على الحكومة للقيام بهذه الخطوة التي كانت مرفوضة في الدوائر الرسمية لـ"دواع وطنية". كلّ شيء تغير في 27 فبراير/ شباط 2005.
ذلك اليوم شكّل بالنسبة لنزيهة وشبيهاتها عرساً حقيقياً وولادة جديدة لهن. تقول: "تفوّق فرحي بتعديل القانون على فرحي بولادة توأمي، وباشرت إجراءات حصولهما على الجنسية الجزائرية مباشرة. أنا اليوم مستقرّة معهما في الجزائر العاصمة رفقة جدّيهما، ولأنهما تملكان الجنسيتين معاً، فهما تذهبان إلى روسيا وتعودان إلى الجزائر من دون أيّ مشاكل".
في السياق نفسه، يقول محسن ن. (30 عاماً) إنّه ولد لأب مغربي وأمّ جزائرية، وحدث أن طلق والده أمّه عام 1996، فجاء للعيش برفقتها في الجزائر. ولأنّ القانون الجزائري كان يعدّه من رعايا المغرب، فقد كان يلزمه بالعودة إلى المملكة كلما انتهت مدة إقامته، ودخول الجزائر من جديد، للبقاء مع أمّه فترة أخرى. يقول: "أتعبني الوضع نفسياً ومادياً، فالحدود مغلقة ولا وسيلة للتنقل غير الطائرة". يضيف: "لكن، بعد تعديل القانون وحصولي على الجنسية الجزائرية، تخلّصت من كلّ تلك الكوابيس".
هذا الواقع الجديد، شجّع الجزائريات، في السنوات العشر الأخيرة، على الزواج من رجال أجانب، خصوصاً في ظلّ رغبة قطاع واسع من الشابات في الإقامة بالخارج. يقول أحد الدبلوماسيين في السفارة الجزائرية بفرنسا، وقد رفض الكشف عن هويته، إنّهم سجلوا ارتفاعاً ملموساً في نسبة الزواج المختلط. يفسر: "كانت الجزائرية قبل عام 2005 تزهد في الزواج من أجنبي، خوفاً من حرمان أولادها من جنسيتها، أمّا اليوم، فقد تسبّب زوال هذا الخوف في انتعاش هذا الزواج".
عن قانون الجنسية الجزائري، يقول المحامي محمد عاطف بريكي لـ "العربي الجديد" إنّ المشرّع تعامل مع أحكام الجنسية بمرونة بالغة "عندما ترك الباب مفتوحاً لما تمليه الاتفاقيات الدولية من أحكام تبعاً لتطبيقات فرضتها حالة الأشخاص في أرض الواقع، والتي لا يمكن حصرها بين دفتي قانون ببضع مواد. وهو الأمر الذي نلمسه في الاتفاقيات التي صادقت عليها الجزائر مثل اتفاقية أطفال الأزواج المختلطين الجزائريين والفرنسيين في حال الإنفصال، واتفاقية نيويورك المتعلقة بتسديد النفقة الغذائية للأطفال في الخارج".
من هنا، يتابع: "يعدّ جزائرياً كلّ طفل مولود من أب جزائري أو من أم جزائرية، بغض النظر عن هوية زوج المواطنة الجزائرية. وهو ما نصّت عليه المادة (6) في الباب المتعلق بالجنسية الجزائرية (الأصلية). وبالتالي، فإنّ الأطفال الذين هم نتاج زواج مختلط تكون فيه الأم جزائرية والأب أجنبياً يحملون الجنسية الجزائرية بقوة القانون، تبعاً لحق الدم الجزائري المنحدر من المواطنة الجزائرية".