إنجازات المقاومة وارتداداتها

16 اغسطس 2014
+ الخط -


حرب ضروس قادها بنيامين نتنياهو وجيشه على غزة، في محاولةٍ لمنع الصواريخ، تلتها عملية برية لاكتشاف الأنفاق وتدميرها. هي مهمة محددة جغرافياً، وموجّهة نحو هدف واضح، ولكن هذه المهمة يقال عنها أي شيء، غير أنها سهلة، كما وصفها يعقوب عمدرور، المستشار الأمني السابق لنتنياهو، والباحث في مركز "بيغن ـ السادات".

لم يكن جيش الاحتلال يعلم قدرات المقاومة الفلسطينية وماذا أعدّت، ولم يتوقع مفاجآتها، فاستطاعت أن تدهش العدو، وهي في نظر محللين، مثل يعقوب عمدرور، أضعف عدو تبقّى لإسرائيل، فتحدّت جيش الاحتلال، ولم تظهر طوال فترة الحرب على غزة أي ضعف، ولم تظهر كل أوراقها.

ومحللون استراتيجيون كثيرون، فضلاً عن سياسيين عند بداية العدوان، نادوا وشجعوا الدخول في حربٍ برية مؤقتة على غزة، حلاً لإضعاف حماس وإنهاء المقاومة، وغيرهم خفض الآمال، وأعطى لهذا الدخول البري معنى سياسياً، كالخبير في الأمن القومي، جيفري وايت، من مركز دراسات الشرق الأدنى، الذي أطّر هذا الدخول في رسالةً مفادها أن إسرائيل لا تخشى الدخول مع المقاومة في معركة برية، وأن الضغط والألم سيزداد، طالما أن المقاومة لن ترضخ لشروط إسرائيل للتهدئة، وأن التقارير الإسرائيلية تفيد بأن المقاومة ستتجنب المواجهة المباشرة مع الجيش، وأنه سيواجه مقاومة ضعيفة.

لكن حركة حماس والمقاومة الفلسطينية تحولت من عدو يوصف بأضعف أعداء إسرائيل، إلى كابوس لا يمكن التخلّص منه، وانتقل الحديث اليائس من التخلّص من المقاومة، إلى الحديث عن فقدان الجيش إبداعه، والمناداة بقتل القادة السياسيين، أملاً بأن تنهار المقاومة.

لكن، ما الذي حققته المقاومة في هذه الحرب من إنجازات عسكرية؟

يتحدث المقدم ألون باز، من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ونداف بولاك، وكلاهما باحثان زائران في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في دراسته "حكمة في العمليات وسط معاناة في الاستراتيجيات"، تتحدث عن حكمة المقاومة في هذه الحرب، والتي تمثلت في أبعاد ثلاثة:

الأول: الامساك بزمام المبادرة، وهي خطوة استفادت منها المقاومة بشكل فعال، إذ فوّتت على الكيان الإسرائيلي شن ضربة أولى مفاجئة، وفعالة، وهي ميزة، حسب ألون ونداف، نجحت فيها إسرائيل في عملية الرصاص المصبوب عام 2008 و2009، وعمود السحاب عام 2012، والتي حققت، في نظرهم، القضاء على معظم صواريخ المقاومة البعيدة المدى، والتي أودت بحياة القائد العسكري لحماس، أحمد الجعبري.

ثانياً: منهج اقتصاد الصواريخ، فمنذ نهاية عملية عمود السحاب أواخر عام 2012، عمدت إليه المقاومة الفلسطينية، وهو ما أتاح للمقاومة تحقيق ثلاثة أهداف: استهداف أكبر عدد ممكن من السكان الإسرائيليين بالقصف الصاروخي، بشكل متواصل، ومحاولة تخطي طاقة الاستيعاب القصوى لنظام الدفاع الجوي، المعروف بـ"القبة الحديدية"، لإثبات أن المقاومة قادرة على الوقوف على قدميها في المعارك، حتى لو كانت إسرائيل تنفذ عملياتها في غزة.

البعد الثالث: العملية البرية لإسرائيل كشفت شيئاً فشيئاً عن البنى التحتية المعقدة للأنفاق التي طورتها المقاومة، وهذه المنظومة تتيح، في نظر الباحثين، التسلل إلى إسرائيل ومحاولة "ارتكاب مجازر جماعية"، والسماح للوحدات المقاتلة للمقاومة بتطويق القوات الإسرائيلية في غزة ومن حولها، وهو ما حصل فعلياً بعد ذلك، والأهم تنقل أفراد المقاومة بحرية بين مركز وآخر، متجنبين بذلك التعرض لاستهدافات الجيش الإسرائيلي في غزة.

بموازاة هذه الإنجازات، نجد، في المقلب الآخر، أن المستوطنين، وخصوصاً مستوطنات "غلاف" غزة، أظهروا حالة من الرعب بعدم العودة إليها، بفعل صواريخ المقاومة الفلسطينية، ما حدا بمستوطني ناحال عوز إلى القيام بحملات احتجاجية ضد الحكومة التي دعتهم إلى العودة إليها في فترة التهدئة، حيث استقبلتهم الصواريخ، ما حدا بالنائب الإسرائيلي، إيتان كابيل، رئيس كتلة حزب العمل المعارض في الكنيست، إلى شنّ هجوم عنيف على نتنياهو، داعياً إياه للاستقالة، واستدعت هذه التحركات زيارة الجنرال في الجيش الإسرائيلي، سامي ترجمان، تلك المستوطنات، في محاولة لطمأنة المستوطنين والاعتذار منهم، لكنه اعتذار مجبول بطعم الهزيمة، قائلاً: "أخطأنا بدعوتكم إلى العودة مجدداً، الهجمات الجوية التي قمنا بها لم تأتِ بحلول، ولم تنجح بتدمير الأنفاق".

هذه الهزيمة العسكرية والنفسية والمعنوية لجيش الاحتلال، والتي ترجمت غضباً أعمى وجنوناً على المدنيين في قطاع غزة قتلاً وتدميراً، سلبت من إسرائيل الدعاية الغربية، في كونها دولة مكروهة ومحاربة ومستضعفة، وأظهرتها دولة مجرمة تقتل الأطفال والمدنيين، وتستهدف مدارس وكالة غوث اللاجئين، "أونروا"، والتي تعج بالمدنيين من الأطفال والنساء، على الرغم من تحذير الأمم المتحدة من استهدافها، ناهيك عن دور العبادة. كل هذا استدعى رداً من الأمم المتحدة، لا يتعدى كونه كلامياً، متهمة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، كما تظاهرات عديدة عمّت أرجاء أوروبا وأميركا، وهذا هو المسرح التقليدي لإسرائيل، حيث أسقطت هذه الدعاية، وتحوّل المزاج الشعبي الأوروبي إلى مناهض لإسرائيل وأفعالها الإجرامية، ما حدا بدولة، كالسويد، أن تمنع طائرة نتنياهو من المرور في مجالها الجوي في أثناء الحرب.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أوردت مصادر صحافية عديدة، أن حكومة الاحتلال عمدت إلى تشكيل لجان دفاع عنها، مختلطة من عدة وزارات، حيث اعتراها الخوف والرعب من محاكمتها دولياً، بالإضافة إلى مخاوف أفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذين يحملون جنسيات مختلفة، من محاكمات في دولهم، فجمعيات عديدة مناصرة لفلسطين في صدد رفع دعاوى على جنود وضباط في جيش الاحتلال، وفق قوانين البلاد التي ينتمون إليها. وجديد ما ورد من معلومات في هذا الخصوص، فتح دعاوى قانونية في جنوب أفريقيا لمحاكمة خمسة أفراد من جيش الاحتلال، من حاملي الجنسية الجنوب أفريقية، وفق قانون البلاد الذي ينص على معاقبة كل مَن يشارك في حروب خارج حدود بلاده وحبسه.

فهل ستوفّق المقاومة باستثمار هذا الإنجاز وفرض شروطها على المحتل، وإجباره على رفع الحصار كأقل مطلب؟ هذا الأمر مرهون بالحنكة والصلابة السياسية، وفق إنجازات المقاومة وتضحيات الشعب، الذي التفّ حول المقاومة وقيادتها، وهذا ما سوف تثبته الأيام.

F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)