إميلي جاسر.. فلسطين بين مدينتين

12 سبتمبر 2014
لقطة من الفيديو
+ الخط -

في الطابق الأول لمتحف الفن الحديث (MoMA) في مدينة نيويورك، يُعرض الشريط الوثائقي "رام الله/ نيويورك 2004 2005" للفنانة الفلسطينية إميلي جاسر. عملٌ هو عبارة عن تجهيز فيديو مزدوج نشاهد فيه أحداث يومية في كل من المدينتين.

تصور جاسر مشاهد يومية تدور في صالون حلاقة، وبقالة، ومكتب سفريات، وغيرها من الأماكن في المدينتين اللتين أقامت فيهما بين عامَي 1999 و2004. ومن يعرف المدينتين، يدرك الفرق الشاسع بينهما. فالأولى قد تكون عاصمة غير رسمية لدولة تنتظر أن تكون. والثانية عاصمة غير رسمية للعالم الرأسمالي.

لكن جاسر ليست معنية في هذا الشريط بالمدينتين كرمزين، بقدر ما هي معنية بلفت الانتباه إلى تشابه الناس عندما ينصرفون في حياتهم اليومية إلى همومهم الصغيرة، غير عابئين بما يدور حولهم. تختلط الأمكنة على مشاهد الشريط: هل ينظر إلى صالون في نيويورك أم في رام الله؟

على الشاشة المقسومة إلى شطرين، يبدو كل من الحلاقَين مشغولاً بعمله. يتشابه الناس، في الحالتين، بهمومهم وأفراحهم ومراقبتهم ليد مصفف الشعر وهو يقصّ ويهندم. بحيث لا يمكن للمشاهد تحديد هوية أي من الشطرين على الشاشة في رام الله وأيهما في نيويورك؛ وهو ما أرادت جاسر أن تعبّر عنه في الشريط، خصوصاً للمشاهد الأميركي العادي، الذي تكثر من حوله صور الفلسطينيين المنمّطة في نشرات الأخبار، لكنه في الغالب لا يعرف عنهم الكثير ويظلون بعيدين عنه، رغم أن سياسة بلاده هي أحد المؤثرات الرئيسية في حياتهم، في الوطن والمنفى.

إميلي جاسر "فنانة شاملة" من حيث وسائطها الفنية؛ فهي تعمل في مجال الأفلام الوثائقية والتصوير الفوتوغرافي والأرشفة والأداء والكتابة والصوت. وتتميز الكثير من أعمالها بمقاربتها لموضوع الذاكرة، لا الفلسطينية فحسب (التي تشغل ربما الحيز الأوسع في عملها)، بل الذاكرة العراقية والمصرية أيضاً.

وكانت الفنانة قد أثارت جدلاً في الأوساط الإعلامية في نيويورك بسبب مضمون بعض أعمالها والجوائز المرموقة التي حصلت عليها، كجائزة "هوغو بوس" (2008)، التي يمنحها متحف "غوغنهايم" في نيويورك مرة كل سنتين.

قدّمت جاسر آنذاك معرضاً بعنوان "مادة من أجل فيلم"، تضمّن ألف كتاب وفيديو وصوراً. لكن المثير في الكتب التي انتشرت على رفوف، أن صفحاتها كانت بيضاء خالية من أي كتابة، وإطلاق الفنانة على كلٍّ من تلك الكتب رصاصة. وحول السؤال الذي طرحه عليها آنذاك محاورها من صحيفة "نيويورك تايمز": لماذا؟ أجابت أن عملها هو عبارة عن صرخة على مقتل الأديب الفلسطيني وائل زعيتر على يد الموساد الإسرائيلي عام 1972، وعلى سلسة الاغتيالات التي تلته وطالت رموز الثقافة الفلسطينية، وعلى رأسهم غسان كنفاني.

ومن أعمال جاسر اللافتة، نذكر أيضاً الخيمة التي طرّزت عليها أسماء 418 قرية فلسطينية هدمها الاحتلال الإسرائيلي عام 1948. كما تُذكر هنا أرشفتها، في عمل آخر، لـ30 ألف كتاب من مكتبات الفلسطينيين الخاصة التي نهبها الإسرائيليون أثناء النكبة، انتهى جزءٌ منها في مكتبة "الجامعة العبرية" في القدس.

قيمة عمل جاسر الفنية تفسّر اهتمام أكبر المتاحف العالمية بعرض أعمالها، ومشاركتها في أبرز المعارض الدولية، كمعرض "دوكومِنتا" الألماني العريق، ونيلها جوائز فنية مرموقة، إضافة إلى جائزة "هوغو بوس"، مثل جائزة "الأسد الذهبي" في "بينالي البندقية" (2007)، وجائزة "الأمير كلاوس" (2007)، وجائزة "هيرب ألبرت للفنون" (2011).

يذكر أن شريط "رام الله/ نيويورك" عُرِض بدايةً في متحف الـ MoMA ضمن فعاليات "مهرجان الأفلام الوثائقية" في شباط/ فبراير الماضي، ويستمر عرضه حتى 28 أيلول/ سبتمبر الجاري.

المساهمون