إليسا و"موطني".. رحم الله إبراهيم طوقان

29 ابريل 2015
+ الخط -

من نكد الزمان أنني حضرت للبنانية إليسا عدداً من الحفلات الحية التي تغني فيها "لايف"، وتلك واحدة من الآثار الجانبية لمهنتي، ومن نكد الزمان أيضاً أن جمهور تلك الحفلات، الكبير عادة، كان يصفق لها عقب الانتهاء من كل أغنية، رغم النشاز الواضح المتكرر.

أشهد أن حفلاً واحداً حضرته لإليسا لم تكن تزعجني فيه بنشاز صوتها، نبهتني صديقة جالسة إلى جواري إلى أن انتقادي المستمر للمغنية الشهيرة غائب هذه المرة، فكان أن لفت نظرها إلى أمر لا يغيب عن المتخصصين من أمثالي وأمثالها؛ كانت إليسا تحرك شفتيها ؛دون اتقان؛ زاعمة أنها تغني، بينما الصوت يصدر من جهاز في خلفية المسرح، وهي التقنية المعرفة باسم "بلاي باك".

رغم نشاز إليسا المعروف، إلا أن شهرتها طاغية، وجماهيريتها واسعة، لاشك أن لذلك أسباباً تتعلق بمهارتها في اختيار أعمالها، ولا أحد ينكر أو يستطيع أن ينكر أن لها أغنيات جيدة تجعل المستمع يتعلق بها، وربما الفضل في ذلك للأجهزة التي باتت تمكن كثيرين، ذكوراً وإناثاً، من ادعاء جمال الصوت.

المهم أن إليسا فاجأتنا، أو للدقة، فجعتنا مؤخراً بالكشف عن وضع صوتها على أنشودة "موطني" بتوزيع جديد لقصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان (1905- 1941)، وهي القصيدة التي تحتل في الذاكرة الجمعية العربية مكاناً ومكانة، تجعلان من الصعب على من يسميهم زملاؤنا اللبنانيون "مطربات الشراشف" الاقتراب منها.

لكن رغم الهالة المحيطة بالقصيدة، التي يتخذها العراق الآن نشيداً وطنياً، تجرأت إليسا على وضع صوتها عليها، وأخرجتها من سياقها النضالي، ولحنها الأوبرالي الأقرب إلى الألحان العسكرية، إلى لحن وسياق يشبهان الكثير من ألحان أغنياتها الرومانسية، والتي لا تخلو عادة من مشاهد بملابس النوم أو البحر.

للحقيقة، لست منزعجاً مما فعلته إليسا، فمن حقها أن تغني لنا، أو بالأحرى علينا، ما تشاء، وطالما أنها حصلت على حقوق غناء القصيدة قانوناً، فمن حقها أن تفعل بها ما تشاء.

ما يزعجني أن يهتم كثيرون بموقف إليسا السياسي ويربطونه بقرارها غناء "موطني"، شخصياً أحترم في إليسا جداً تعبيرها صراحة عن موقفها السياسي، بعكس المواقف المائعة لزملائها.

لكن يزعجني أكثر أن تتحول إليسا نموذجاً للغناء الرومانسي، أو أن يروج البعض أنها مطربة، وأن يكرس عدد من الصحافيين والنقاد أقلامهم ووقتهم للتغزل بموهبتها وتفرد صوتها.

أظن الأَوْلى بهم أن يحدثوننا عن ذكائها في اختيار الكلمات والألحان، ولا يجب أن ينسوا أن يحدثونا عن ماركات وألوان فساتينها، وأماكن واتساع الفتحات التي تضمها تلك الفساتين، طالما أنهم لا يملكون الحديث عن نشاز صوتها.

اقرأ أيضاً:إليسا تنقلب سياسياً وتغني قصيدة "موطني"
المساهمون