إلغاء تصنيفات أراضي الضفة الغربية: تحديات فلسطينية في التطبيق

01 سبتمبر 2019
قام الاحتلال بتدمير منشآت سكنية وتجارية في المناطق (ج)(الأناضول)
+ الخط -

يضع قرار الحكومة الفلسطينية الذي اتُخذ أخيراً، بإلغاء تصنيفات مناطق الضفة الغربية (أ، ب، ج)، كما كانت مصنفة وفق اتفاقية أوسلو، تحديات أمام إمكانية التطبيق العملي لهذا القرار، وجدواه في الواقع وتأثيراته، خصوصاً على المناطق المصنفة (ج) التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية وفق اتفاقية أوسلو ذاتها، بينما يرى مختصون وخبراء حقوقيون أن قرار الحكومة شكلي، ولن تكون له آثار عملية على الأرض بسبب سيطرة الاحتلال على تسجيل الأراضي "طابو" في مناطق (ج)، حسب اتفاقية أوسلو.

وأكد مستشار هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، محمد إلياس، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "قرار إلغاء تصنيفات المناطق في الضفة الغربية، هو قرار سياسي أكثر منه اختصاصا فنيا، وما يتبعه من إجراءات تتعلق بالقرار". وتتعرض المناطق المصنفة (ج) عادة إلى انتهاكات مستمرة من قبل الاحتلال. ويلجأ الفلسطينيون في كثير من الأحيان إلى المحاكم الإسرائيلية عند حدوث أي انتهاكات في تلك المناطق، لكن السماح للمواطنين بالتوجّه للقضاء الإسرائيلي بعد هذا القرار، في حال حدوث انتهاكات في (ج)، سيصبح قراراً سياسياً وليس فنياً، وفق إلياس.

وأوضح إلياس أن الحديث عن مقاطعة القضاء الإسرائيلي يجب أن يطاول "ليس فقط موضوع الممتلكات المعتدى عليها، بل كذلك الأسرى الفلسطينيين وما يتعلق بمحاكمتهم، وأن نلتزم بذلك وفق قواعد القانون الدولي الإنساني ذات العلاقة". ورأى أن "الطابو حق فلسطيني طبيعي في التعامل مع ممتلكاتنا غير المنقولة، وهو حق عام يكفله قانون حقوق الإنسان الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ويجب أن نمارس سلطتنا على أراضينا وتسجيلها". وأشار إلى أن تسجيل الأراضي في مناطق (ج) يهدف إلى الحفاظ على السلم الأهلي الداخلي فيما يتعلق بالتقسيم الإرثي للأراضي، وكذلك إعطاء حوافز للمواطنين من أجل التمسك بأراضيهم والدفاع عنها أمام محاولات الاحتلال الإسرائيلي فرض أطماعه على تلك الأراضي والاستيلاء عليها، وكذلك هي محاولة فلسطينية لفرض أمر واقع كحقيقة واقعة أمام محاولات الاحتلال الاستيلاء على مناطق (ج) كجزء من الممارسات الفلسطينية الطبيعية على الأرض التاريخية الفلسطينية.

ومن المعروف أن "تطويب" الأراضي (إدخالها في الطابو)، وتسجيلها في مناطق (ج) بأسماء الفلسطينيين، يحتاج إلى تسجيل إسرائيلي في الإدارة المدنية الإسرائيلية. ولكن بعد قرار الحكومة الفلسطينية يثار تساؤل حول جدوى إمكانية تطبيق القرار بما يتعلق بتسجيل هذه الأراضي ضمن "الطابو" الفلسطيني. وأوضح المحاضر في كلية القانون في جامعة النجاح في نابلس، إسحق برقاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن سجلات الأراضي "الطابو" في الضفة الغربية كانت تحت السيطرة الأردنية حتى احتلال إسرائيل الضفة في عام 1967، وانتقلت كافة السجلات إلى سلطات الاحتلال. وبعد توقيع اتفاقية أوسلو بقيت السجلات الخاصة بالأراضي التي صُنفت (ج) بيد دائرة الأراضي الإسرائيلية ولم تنتقل إلى السلطة الفلسطينية، أسوة بالأراضي الواقعة في التصنيفين (أ) و(ب).



ويقوم المحامون الفلسطينيون بتثبيت أي إجراءات تخص تلك الأراضي في مناطق (ج)، مثل البيع والشراء في سجلات "الطابو" الإسرائيلية، كُل في منطقته، ولا يجوز أن يكون لأي عقار صحيفتان، و"بالتالي فتسجيل تلك الإجراءات لدى دائرة الأراضي الفلسطينية غير ممكن، وغير معترف به، ولا قيمة له"، وفق برقاوي. ولفت إلى أن الإجراء المرفوض قطعاً من طرف الاحتلال هو قيام الفلسطيني بالبناء على أرضه إذا كانت مصنفة (ج)، وهناك آلاف الأمثلة لعمليات هدم قامت بها جرافات الاحتلال لمنشآت سكنية أو تجارية أو زراعية أقامها الفلسطيني، بناء على الأوامر العسكرية الإسرائيلية، المدعومة من المنظومة القضائية لدى دولة الاحتلال، وبالتالي فإن تغيير تصنيف تلك الأراضي فلسطينياً لن يكون له أثر حقيقي على الواقع، وسيستمر الاحتلال في إجراءاته بإزالة أي بناء يعتبره مخالفاً.

وتحاول السلطة الفلسطينية توفير الحماية القانونية للمواطنين في المناطق المصنفة (ج) من اعتداءات الاحتلال وهدم منازلهم هناك، ضمن ما يتعرضون له من محاولات لتهجيرهم من أراضيهم، فيما تشير الحكومة الفلسطينية إلى أن خطوتها هذه تأتي في سياق محاولاتها الانفكاك التدريجي عن الاحتلال الإسرائيلي. وأوضح رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، وليد عساف، في تصريحات لإذاعة "صوت فلسطين" الرسمية، أمس السبت، أن قرار إلغاء التصنيفات حسب اتفاقية أوسلو على كافة أراضي دولة فلسطين، وبسط السيادة عليها، سيوفر الحماية القانونية للمواطنين في تلك المناطق، خصوصاً ما تسمى (ج)، والحماية أيضاً من اعتداءات الاحتلال عليهم من هدم المنازل وتهجيرهم، بالإضافة إلى تعزيز صمودهم فيها. ووفق عساف، فإن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عملت بهذا القرار قبل صدوره، وقدمت خططاً مسبقة للحكومة، ارتكزت على إعادة بناء المنازل، وتوفير الحماية للمواطنين، وتأمين احتياجاتهم من ماء وكهرباء، إضافة إلى خدمات الصحة والتعليم وبناء المدارس وإعادة بنائها في حال هدمها، إضافة إلى تفعيل العمل الشعبي، عبر هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، والذي أثبت نجاعته في الخان الأحمر.

وأوضح عساف أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان كانت قد أجرت دراسة لكل المنازل القريبة من المستوطنات، وعددها 600 منزل، ووضعت خطة لتحصينها من اعتداءات المستوطنين، مشدداً على أهمية الدور الذي تلعبه لجان الحراسة الليلية في القرى والبلدات التي تتعرض لهجمات المستوطنات، إذ أفشلت الكثير من اعتداءات المستوطنين، وتصدت لها ومنعت تكرار جريمة عائلة دوابشة أكثر من مرة. وكشف عساف أن الاتحاد الأوروبي، وبالتعاون مع وزارة الحكم المحلي، قدّم 112 مخططاً هيكلياً لما تسمى الإدارة المدنية الإسرائيلية، لم توافق سوى على 3 منها خلال عشر سنوات، في وقت أقرت فيه 278 مخططاً لتوسيع المستوطنات، من بينها 160 أقرت بداية العام الحالي.

من جهته، أكد وزير الحكم المحلي الفلسطيني مجدي صالح، في تصريحات لإذاعة "صوت فلسطين" أمس، أن توسيع المخططات الهيكلية في كافة الأراضي الفلسطينية، حسب حاجات السكان وبغض النظر عن أي تصنيف حسب اتفاق أوسلو، يأتي ضمن خطة القيادة للانفكاك التدريجي عن الاحتلال. ويبدو أن الحكومة الفلسطينية تتجه نحو إقرار مخططات هيكلية جديدة من دون الحاجة للحصول على موافقة إسرائيلية كما كانت تجري العادة سابقاً، إذ أوضح مجدي صالح، في تصريحاته أمس، أن المخططات الهيكلية الجديدة ستكون مصادقة من مجلس التنظيم الأعلى الفلسطيني للبناء، ومن دون الحاجة للحصول على موافقة إسرائيلية، مشيراً إلى أن وزارة الحكم المحلي ستعمل على تعويض المتضررين من الاحتلال وحماية الرخصة التي سيتم إصدارها. وقال إن "وزارة الحكم المحلي ستعمل على إنشاء مشاريع وفتح شوارع وحشد تمويل دولي آني في كافة المناطق التي كانت تسمى (ج)، لكن الاحتلال يعرقل المصادقة على رخص البناء الفلسطينية، الأمر الذي يعرقل تمويل المشاريع".