إقالة محافظ المركزي السوداني تصعّد أزمات السيولة والدولار والتضخم

07 مارس 2019
نسبة التضخم في السودان بلغت 43.45% (Getty)
+ الخط -

توقع مراقبون لـ"العربي الجديد"، أن يُحدث قرار الرئيس السوداني عمر البشير إقالة محافظ البنك المركزي، حالة من الارتباك في إدارة ملف أزمة السيولة، وأن يزيد من مخاوف المستثمرين.

وكان المراقبين يعقّبون على قرار البشير بإقالة محافظ بنك السودان المركزي، محمد خير الزبير، بعد 5 أشهر فقط من توليه المنصب، ليعين بدلاً منه نائبه الأول حسين يحيى جنقول، ليصبح رابع محافظ يتولى رئاسة البنك المركزي خلال نحو 3 أعوام.

ورغم الضبابية التي تحيط بملابسات إقالة الزبير، إلا أن خبراء في القطاع المصرفي أكدوا، لـ"العربي الجديد"، أن أزمات السيولة وتهاوي العملة المحلية أمام الدولار والتضخم، أكبر من المحافظ ولا يتحمل مسؤوليتها بمفرده.

المدير العام السابق للبنك السوداني الفرنسي، محجوب شبو، قال لـ"العربي الجديد"، إن أسباب إقالة الزبير لا تزال غير واضحة، وليس من العدل تحميله مسؤولية المشاكل الراهنة في السيولة والمضاربات بالعملات الأجنبية، وهو لم يتولّ المنصب سوى لمدة 5 شهور فقط، مشيرا إلى أن هذه الأزمات بدأت في عهد المحافظ الذي سبقه، حازم عبد القادر.

وشدد شبو على الأثر السالب خارجيا لتكرار إقالة محافظين للبنك المركزي خلال فترة وجيزة جدا، خاصة على مناخ الاستثمار في البلاد.
ومن المتناقضات إصدار الرئيس السوداني قراراً جمهورياً، الأحد الماضي، بإعادة تشكيل مجلس إدارة بنك السودان المركزي، وسمى القرار محافظ البنك المركزي، محمد خير الزبير، رئيسا لمجلس الإدارة، قبل أن يقيله بعد يوم واحد من ترقيته.

ومن جانبه، ألمح المدير السابق للبنك السعودي السوداني، محمد عبد الرحمن أبو شورة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى احتمال أن تكون إقالة الزبير تمت في إطار التغييرات الحكومية الأخيرة التي استهدفت مسؤولين بارزين في الدولة، نافيا مسؤولية المحافظ المقال عن الإشكالات النقدية الراهنة، كونه ينفذ سياسات الحكومة، والتي أنتجت إفرازات سالبة بارتفاع التضخم المالي، بسبب الاستدانة العالية من بنك السودان المركزي وطباعة العملة.

ودعا أبو شورة، المحافظ الجديد، إلى التصدي لكل المشاكل الراهنة بإيقاف طباعة العملة، ووضع حد للاستدانة لتصل إلى الحدود المسموح بها، وفق قانون بنك السودان.

ويعاني السودان من ضائقة اقتصادية أثرت على إيراداته من النقد الأجنبي وساهمت في انخفاض العملة الوطنية السودانية كثيراً في السوق السوداء، ما ساهم في ارتفاع التضخم وتأزم الأوضاع المعيشية التي كانت سبباً في احتجاجات ساخطة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وأعلن الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، في وقت سابق، انخفاض التضخم خلال يناير/كانون الثاني الماضي، إلى 43.45% مقارنة بـ72.94% في ديسمبر/كانون الأول 2018، إلا أن مراقبين شكّكوا في صحة هذه البيانات في ظل الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات.
وقال المدير العام الأسبق لبنك الخرطوم، محمد صلاح، لـ"العربي الجديد"، إن المشكلة ليست في إقالة وتعيين محافظين للبنك بقدر ما هي إشكالات في إعداد وتطبيق السياسات النقدية والتغييرات المتسارعة والمضطردة التي تتعرض لها، والتي تحدث ربكة كبرى في الواقع الاقتصادي، مستشهدا في ذلك بمشكلة شح النقد الأجنبي والسيولة، والتي هزت الثقة في النظام المصرفي، فضلا عن البطء الشديد في تعاطي البنك المركزي مع هذه المشكلة والمشاكل الأخرى.

وأكد صلاح أن المحافظ وحده لن ينجح في حل هذه الأزمات الراهنة، باعتباره جزءا فقط من حلقة حكومية متشابكة.

ويمنح قانون بنك السودان المركزي الأخير لعام 2012 والذي أجيز من المجلس الوطني "البرلمان" ووقّع عليه البشير، صلاحية رئيس الجمهورية تعيين محافظ البنك المركزي ونائبيه من ذوي المؤهلات والخبرة وتحديد شروط خدمتهم، وأن تكون مدة تولي المنصب 5 أعوام للمحافظ و3 أعوام لنائبيه.

ويعتبر جنقول رابع محافظ يتولى رئاسة البنك المركزي خلال نحو 3 أعوام، حيث تولى حازم عبد القادر المنصب في عام 2016 وحتى وفاته في 16 يونيو/حزيران 2018، ثم صدر قرار رئاسي بتعيين النائب الأول له مساعد محمد أحمد، إلى أن صدر قرار رئاسي جديد، في سبتمبر/أيلول 2018، بتعيين الزبير محافظا رسميا، والذي لم يبق طويلاً في منصبه حيث تمت إقالته أول من أمس، وتعيين جنقول بدلاً منه.
وقال المحلل القانوني المعز حضرة، لـ"العربي الجديد"، في تعليق على إتاحة القانون السوداني للرئيس صلاحيات إقالة المحافظ، رغم منعه دوليا، إن بنك السودان كان يخضع لسلطات وزارة المالية ويتم تعيين المحافظ من قبل وزيرها، باعتبارها الجهة التي تسيطر على مقاليد الشؤون المالية والنقدية في البلاد، إلا أن تبعية البنك لرئاسة الجمهورية تمت بإيعاز من المحافظ الأسبق صابر محمد الحسن، والذي قام بتعديل قانون البنك للهرب من هيمنة وزارة المالية عليه، رغم عدم وجود علاقة بين الرئاسة وبنك السودان المركزي.

وحمل المحلل القانوني "الحكم الشمولي مسؤولية تكالب الوزراء والقيادات التنفيذية على تعديل القوانين رغم مخالفتها للدستور، والبحث عن التبعية المباشرة لرئاسة الجمهورية، مطالبا بإعادة سلطات البنك المركزي للمالية مرة أخرى".
دلالات
المساهمون