أزمة تمويل خانقة... إحجام المؤسسات الدولية عن إقراض السودان بسبب تراكم المديونيات

03 مايو 2019
تفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين (Getty)
+ الخط -

يواجه السودان أزمة مالية خانقة، في ظل إحجام المؤسسات الدولية عن إقراضه، بسبب تخلّفه عن سداد ديونه المتأخرة، وسط احتجاجات شعبية متواصلة تطالب بنقل السلطة من المجلس العسكري الذي يدير البلاد حالياً إلى سلطة مدنية.

وأكد مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد، جهاد أزعور، الإثنين الماضي، أن صندوق النقد واصل تعامله مع السلطات السودانية بعد الاضطرابات السياسية. لكنه استدرك قائلاً: "لا يمكننا تزويدهم بالتمويل، لأنهم ما زالوا يتحملون متأخرات، وإلى أن يعالجوا المشكلة، لا يمكننا تزويدهم بإقراض إضافي بموجب لوائحنا".

ومن جانبهم، أكد خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد" أنه بالإضافة إلى تأخر سداد الديون فإن عدم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يقف عقبة أمام حصول البلاد على قروض ومنح جديدة من المؤسسات الدولية.

وأكدوا أن الدول التي بادرت بتقديم منح ودعم مالي للسودان (السعودية والإمارات) يمكنها التقليل من حدة الاحتقان الاقتصادي، إلا أنها غير كافية للحد من الأزمات الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي تواجه البلاد.

وأعلنت السعودية والإمارات حزمة مساعدات مالية، يصل إجماليها إلى ثلاثة مليارات دولار، منها 500 مليون دولار مقدمة من البلدين كوديعة في البنك المركزي السوداني. وكانت الأزمات المعيشية هي السبب الرئيسي في اندلاع الاحتجاجات الساخطة، منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي أدت إلى إطاحة الرئيس السابق عمر البشير وعدد من رموز نظامه.

ويعتبر حجم ديون صندوق النقد الدولي أقل من مديونيات دول أجنبية مثل الصين والهند، ما يزيد الأعباء والعقبات أمام السودان.


ويقول الخبير الاقتصادي محمد الناير لـ"العربي الجديد": ما زال الوقت بعيدا لحدوث تعاون بين صندوق النقد والسودان، في ظل بقاء اسمه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتي تشكل عقبة تمنع البلاد من الحصول على أموال من تلك المؤسسات المالية الدولية.

وأضاف أن عدم الاستقرار السياسي يحول دون وضع خطة اقتصادية واضحة، مؤكداً أن تأخر تشكيل الحكومة الجديدة يأتي في غير المصلحة العامة للبلاد. لكنه قال إن الحصول على بعض الدعم من دول عربية يعمل على تقليل حدة الاحتقان الراهن، ولكنه ليس بصورة دائمة.

وتابع: لا بد من التحرك لرفع اسم السودان من القائمة السوداء، ولكن هذا مرتبط بالوضع السياسي الداخلي الذي يجب أن يتجه للاستقرار.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد رفعت معظم عقوباتها عن السودان، في فبراير/شباط عام 2017، ولكنها أبقت البلاد في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما جعل حصول السودان على قروض ومنح جديدة مستحيلاً.


ورغم أن نائب رئيس المجلس العسكري في السودان، محمد حامد حميدتي، قال في تصريحات مؤخراً إن البلاد بدأت في سداد مديونيتها، إلا أن مراقبين اعتبروا أن ديون السودان كبيرة وليس بمقدور البلاد سدادها.

وكان السودان قد دخل في تنفيذ سياسات صندوق النقد، على أمل أن يساعد ذلك في تطبيع علاقاته اقتصادياً على الأقل مع الغرب، إلا أن الخبير الاقتصادي التجاني الطيب يقول، لـ"العربي الجديد"، إن ذلك البرنامج الذى شرعت الحكومة في تنفيذه لا يجد السند من المجلس التنفيذي لصندوق النقد.

واعتبره مجرد "وصفة غير مجدية وخطاب نوايا غير مدروس"، قائلاً إن الحكومة طبقت خلال الـ17 سنة الماضية 13 برنامجاً مع الصندوق، لم تأت بالنتائج المرجوة وأدت إلى تأثيرات اقتصادية سلبية.

وأعلن صندوق النقد الموافقة على برنامج يراقب بموجبه الاقتصاد السوداني حتى نهاية العام الجاري، موضحاً أن البرنامج هو اتفاق غير رسمي بين السلطات السودانية وموظفيه لمراقبة تنفيذ البرنامج الاقتصادي، ولا يتضمن تقديم المساعدة المالية أو التأييد من قبل المجلس التنفيذي للصندوق.

ومن جانبه، أوضح الاقتصادي محمد إبراهيم أن هناك ديونا سيادية للبنك وصندوق النقد الدوليين وبنك التنمية الأفريقي، لا تخفض ولا تعفى، وهناك ديون تخص الدائنين الكبار (الدول السبع) وهذه تُعالج في نادي باريس، بالإضافة إلى ديون الصين وغيرها. وأضاف إبراهيم لـ"العربي الجديد" نحن للأسف الشديد نضيّع في وقت وفرص.


ورغم الشكوك السائدة حول حجم مديونية السودان الخارجية، إلا أن تقرير صندوق النقد قال إنها 51 مليار دولار، منها 32 مليار دولار فوائد متراكمة وجزائية بسبب التأخر في السداد.

ويقول الخبير الاقتصادي محمد الجاك، لـ"العربي الجديد"، إن الحلول المتوقعة لمشكلة الديون الخارجية تكمن في اعتماد الحكومة على سياسة مرنة وشفافة مع المجتمع الدولي، خاصة صندوق النقد، عبر إقرار جدولة للسداد أو تنفيذ سياسات إصلاحية.

ويضيف أن 60% من الديون الخارجية عبارة عن تراكم للفوائد، لذلك لابد من التعامل بحكمة من أجل عدم مضاعفة الديون.

وعقب إطاحة البشير بسبب الاحتجاجات الشعبية، اندفعت كل من السعودية والإمارات لتقديم مساعدات مالية للمجلس العسكري. ويري الاقتصادي عادل عبد المنعم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الوديعة المقدمة من الإمارات والسعودية تمنح البلاد استقرارا لفترة أربعة شهور فقط، بسبب وجود عجز كبير في الميزان التجاري يبلغ 6 مليارات دولار.

ودعا إلى ضرورة تغيير سياسات النظام السابق الاقتصادية، بغرض الاستفادة من الدعم الذي يأتي من الخارج، حتى لا يكون الاقتصاد استهلاكيا، مطالباً بضرورة زيادة الإنتاج وإحلال الواردات وتحويل الاقتصاد الي إنتاجي.

لكن الاقتصادي ناجي مصطفي يرى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الوديعة الخليجية لن يكون لها أثر على سعر الصرف أو الأوضاع المعيشية، ولكنها تحفظ الاستقرار على المستوى السياسي الراهن من دون أن تنعكس إيجاباً على المواطن.

وقال إن حل الأزمة المالية يتوقف على سداد مديونية صندوق والبنك الدوليين، مشدّداً على أهمية التوافق السياسي في هذه المرحلة، وسرعة الانتقال إلى حكومة مدنية لمواجهة الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد.

وحرّك انفصال جنوب السودان عام 2011 ملف الديون، وبدأت اجتماعات مكثفة بشأنها، إلى أن وقّعت حكومة السودان ودولة جنوب السودان عام 2013، على اتفاق نصّ على خيارين لإعفاء الديون: الأول عُرف بالخيار الصفري، بأن تقبل الدولة الأم السودان بتحمّل الديون لعامين، يتم خلالهما الاتصال بالدائنين، وتكثيف الجهود مع المجتمع الدولي لإقرار الإعفاء.

الخيار الثاني يتم اعتماده في حال فشل الأول، بأن يتم تقاسم الديون بين البلدين، وفق معايير متعددة، من بينها عدد السكان. إلا أن كل هذه الاقتراحات والاتفاقات لم تصل إلى نتيجة حتى الآن، بالرغم من استيفاء الخرطوم كل الشروط المطلوبة للإعفاء.

المساهمون