إغراءات حكومية لتشغيل الشباب بالجزائر تتحول إلى ملاحقات وديون

14 اغسطس 2018
المشاريع الصغيرة تعاني سوء الإدارة(فايز نور الدين/ فرانس برس)
+ الخط -

 

تحول مشروع دعم الشباب، الذي أطلقه الرئيس، عبدالعزيز بوتفليقة، قبل أكثر من 15 عاما، والقاضي بتمويل المشاريع بقروض بنكية ميسرة، من حلم إلى كابوس بالنسبة إلى مئات آلاف الشباب، الذين أصبحوا مهددين بالسجن بعد ملاحقة البنوك لهم قضائيا إثر تعثرهم في سداد الديون المستحقة عليهم.

ففي عام 1999، أطلق بوتفليقة بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية مشروع دعم الشباب، يسمح بحصول الشاب على قرض يتراوح بين مليون دينار و5 ملايين دينار (9500 دولار و45 ألف دولار) بفائدة 1%، لإنشاء شركات صغيرة، على ألا يدفع الشاب المستفيد الضرائب والأقساط الموجهة للبنك في السنوات الخمس الأولى بعد إطلاق مشروعه الاستثماري.

لكن ارتفاع نسب الديون المتعثرة، دفع الكثير من الشباب المستفيدين بعفو ضريبي وبنكي، للبدء بحملة جمع توقيعات لرفع هذه المطالب للحكومة وفق ما كشفه ياسين قلال، رئيس الجمعية الجزائرية لدعم المؤسسات المصغرة المستحدثة في حديث مع "العربي الجديد".

يقول قلال إنه تم جمع 700 ألف توقيع لأصحاب مشروعات فشلوا في تسديد الديون، للمطالبة بالعفو الشامل مع إعادة إحياء نشاطها، مضيفا أن "هذا الملف جد معقد، بسبب غياب دراسات تقنية ميدانية للوضع الاقتصادي في البلاد ومناخ الأعمال والاستثمار، وهو ما تسبب في توريط شباب باستحداث مؤسسات ولدت ميتة، خاصة في تلك القطاعات التي تشهد إشباعا".

ويقول فرحات علي، الخبير الاقتصادي، إن "الانطلاقة التي أعطيت لمشروع دعم الشباب كانت عرجاء ومتعثرة، وطغت عليه الحسابات السياسية على الحسابات الاقتصادية، حيث دخل الرئيس بوتفليقة في سباق مع الزمن لترجمة أحد أكبر وعوده الانتخابية سنة 1999، وذلك بالاعتماد على الوفرة المالية للجزائر جراء ارتفاع أسعار النفط آنذاك".

ويضيف فرحات أن "قيمة المشاريع الممولة فاقت الملياري دولار لم تحقق أي نتائج إيجابية اقتصاديا، رغم تأكيد الحكومة أخيرا أن قرابة نصف مليون شركة مصغرة تنشط في البلاد استفاد أصحابها من قروض دعم الشباب".

ولتحصيل الديون قررت الحكومة أخيرا تحويل ملفات الشباب العاجز عن تسديد ديونه إلى القضاء للفصل فيها، وإلزام الشباب برد الأموال للبنوك أو وضع مصف معتمد لبيع الشركة لتحصيل قيمة الأموال التي استفاد منها الشباب.

وفي ظل الترويج الحكومي لهذه المشروعات في السنوات الماضية، تحول مئات الآلاف من الشباب العاطلين إلى أصحاب مشروعات مسؤولين عن عشرات العمال.

يقول نسيم حابل، مستفيد من قروض دعم الشباب، إن "الكثير من الشباب المستفيدين من القروض لم يستطيعوا ضمان حياة طويلة للمشاريع الممولة من طرف البنوك، خاصة أنهم وجدوا أنفسهم دون أي إستراتيجية، وأبرز مثال هو شركتي التي أعلنت إفلاسها قبل 7 شهور، حيث لم يزرها أي مراقب من وكالة دعم تشغيل الشباب الحكومية أو من طرف وزارة العمل، كما لم يتم استدعائي لدورات تدريبية في كيفية تسيير الشركة ولو لمرة واحدة".

وبجانب جهل أغلبية المستفيدين هذه النوعية من المشروعات، هناك من استغل الدعم الحكومي وفق مصادر مسؤولة في الاستفادة من العفو الذي أقره الرئيس الجزائري عام 2006، وعاد للتقدم بملف جديد وتم تمويل مشروعه مرة أخرى، وأعلن مجددا عن إفلاس شركته.

ويرى جمال نور الدين، الخبير الاقتصادي، أن "مطالب الشباب بضرورة توجه الحكومة نحو عفو شامل عن المستفيدين من قروض دعم الشباب يعتبر أمرا منطقيا، لأنهم لا يتحملون مسؤولية إفلاس شركاتهم المصغرة التي فاق عددها 700 ألف شركة، بل تتحمل الحكومة ومِن ورائها السلطات الجزائرية كامل المسؤولية بعد منحها قنابل موقوتة لكثير من الشباب".

ويتوقع نور الدين أن "يتحول الملف إلى مادة دسمة للسياسيين على مقربة من الانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/ نيسان 2019، حيث سيعدون الشباب بالعفو الشامل كما حدث عام 2014، حين قال رئيس الوزراء الأسبق عبد المالك سلال عشية الانتخابات الرئاسية، إن الرئيس بوتفليقة يبشركم بعفو شامل لديون الشباب وهو ما لم يحدث إلى يومنا هذا".

ويتوقع محللون أن تقلص الضغوط المالية التي تشهدها الجزائر بسبب تراجع أسعار النفط من الوعود الحكومية، خلال موسم الانتخابات.

وسجلت الجزائر تراجعا في احتياطاتها من النقد الأجنبي إلى 94.5 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام الجاري، مقابل 97.3 مليار دولار في نهاية 2017، وفق البيانات الصادرة عن المركزي في يوليو/تموز الماضي.

وبحسب إحصاءات المركزي، فإن الجزائر فقدت نحو نصف احتياطاتها خلال السنوات الخمس الماضية، إذ بلغت نحو 194.01 مليار دولار عام 2013.

المساهمون