ويُحدد كوبي ميخائيل في ورقة تقدير الموقف التي نشرها على موقع مركز أبحاث الأمن القومي، أن لإسرائيل مصلحة استراتيجية في منع اندلاع مواجهة عسكرية، في حال استمر تدهور الأوضاع الكارثية في القطاع، إلا أن ذلك يضعها أمام أربع معضلات استراتيجية: أولى هذه المعضلات هي احتمالات أن تؤدي إعادة الإعمار في الظروف الراهنة، إلى ترسيخ وتعزيز مكانة حركة "حماس" باعتبارها جهة حكم سيادي في قطاع غزة، خصوصاً في ظل غياب فرص حقيقية لمصالحة فلسطينية، وفي ظل انعدام أي استعداد لدى الحركة لنزع سلاحها أو إتاحة موطئ قدم لسلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
اقرأ أيضاً: نظرة إلى فلسطين
كما أن إطلاق إعادة الإعمار عبر آليات دولية ومن دون مشاركة مباشرة لـ "حماس"، من شأنه أن يُصعّب على إسرائيل مواصلة معارضة تغيير مكانة الحركة على الساحة الدولية أو الاستمرار في الادعاء بأنها حركة إرهابية، مما يعني في نهاية المطاف أن "حماس" ستخرج رابحة من هذه العملية برمتها؛ وهو أمر يناقض المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل. أما المعضلة الثانية التي يرصدها ميخائيل، فهي أنه لن يكون بمقدور إسرائيل أن تقود عملية إعادة الإعمار بمفردها من دون أن تضطر إلى إجراء مفاوضات أو اتصالات ولو غير مباشرة مع "حماس". ويعني ذلك في المحصلة تعزيز الصفات الدولاتية لحركة "حماس" وتعميق الانفصال بين الضفة الغربية المحتلة وبين قطاع غزة، مما يعني أنه سيكون على إسرائيل أن تواجه كيانين منفصلين متناقضين، وإن كان هناك من يرى في ذلك مكسباً لأنه يزيد من مجال المناورة الإسرائيلية، وبشكل استراتيجي في تعاملها مع الملف الفلسطيني بما يخدم مصالحها.
أما المعضلة الرابعة والأخيرة بحسب الباحث المذكور، فهي تتمحور في فقدان إسرائيل لمجال المناورة الواسع وحرية الحركة التي تتمتع بها حالياً لمواجهة وضرب "حماس"، مقابل تقليص هذه الحرية في السعي لإحباط تسليح الحركة وبناء قوتها، مع إطلاق مشروع إعادة الإعمار وفق آليات ومنظمات وأطراف دولية. وفي حال فشلت إسرائيل و"حماس" في التوصل إلى اتفاق تهدئة ووقف إطلاق نار متواصل، فإن فكر المقاومة لدى "حماس" مرفوداً بتعزيز قوتها العسكرية، سينذر بمواجهة عنيفة أخرى. مع العلم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه موشيه يعالون والجنرال عاموس جلعاد (رئيس الطاقم السياسي والأمني في وزارة الأمن الإسرائيلية)، بادروا إلى التركيز على مسألة إعادة إعمار غزة خلال خطاباتهم أمام مؤتمر هرتسليا الأخير، من زاوية كون إسرائيل هي "الطرف الوحيد" حسب زعمهم، التي تساهم في مساعي إعادة الإعمار!
في المقابل لا يغفل ميخائيل الفرص والمكاسب التي قد تحققها إسرائيل، وأهمها على الصعيد الاستراتيجي الأمني هو تطور مصالح سيادية لدى حركة "حماس"، خلال عملية تحوّلها لحكم سيادي، تكبح جماح الحركة، وإن كان مثل هذا الأمر يظل محدوداً بفعل التجربة الماضية، إذ قد تفضل "حماس" بفكرها الأيديولوجي المصالح الحركية على المصلحة العامة في سياق سعيها لحماية مكانتها داخل القطاع وفي صفوف الشعب الفلسطيني.
ويخلص الكاتب إلى القول إن هناك حاجة للموازنة بين الفائدة الاستراتيجية التي قد تجنيها إسرائيل من إعادة الإعمار وبين المصالح الأخرى التي قد تتأثر سلباً. وبما أن إسرائيل لن تستطيع بمفردها تحمّل إعادة الإعمار، فإن هناك حاجة لتفكير سياسي مبدع يلزم إشراك السلطة الفلسطينية في العملية برمتها، ولو بفعل شرط الدول المانحة أن يتم الأمر عبر قناة السلطة الفلسطينية. كما أن هناك حاجة لمشاركة مصرية فعالة ونشطة إلى جانب تسليم قيادة المشروع للسعودية ودول أخرى في المنطقة.
من جهته، رأى الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، افرايم هليفي، أن "الحوار المباشر مع العدو اللدود يمكن أن يؤدي في النهاية إلى شكل من أشكال العيش المشترك". ولفت هليفي في حديث لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، إلى أن الوقت قد حان لإسرائيل لإجراء محادثات مباشرة مع "حماس"، لتشجيعها على تبني نهج أقل عدائية وأكثر واقعية تجاه الدولة اليهودية. لكن هليفي، الذي شغل منصب مدير "الموساد" لمدة أربع سنوات حتى 2002، وعمل بعد ذلك مستشاراً لرئيس الوزراء السابق أرييل شارون، قال "إن حماس تريد تحسين نوعية الحياة في غزة، وتريد تحقيق درجة من القبول كلاعب مؤهل، وعلينا التعامل معها بخيارات غير المواجهة العسكرية". وأيّد قائد الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي الجنرال سامي ترجمان، ونائب الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي والعقيد شاؤول شاي، وغيرهم من القيادات الأمنية، الحوار مع "حماس"، وفقاً لمراسل "إندبندنت" في القدس، بن لينفيلد، على اعتبار أن "صعود تنظيم داعش وبروز جماعات سلفية في غزة مشكلة كبيرة لاسرائيل".
اقرأ أيضاً: "حماس" تنفي أي تعاون أمني مع مصر في سيناء