إعلان هام

23 أكتوبر 2015
(Getty)
+ الخط -

في أحد المطارات الأوروبية لافتة كبيرة تشكل إعلاناً للثياب والحقائب. في الإعلان صورة لست نساء يتأنقن بثياب وحقائب وأحذية "على الموضة". التفصيل الوحيد هو أن وجوه النساء مخبأة بأحرف الإعلان الستة. هو تفصيل غير بسيط كونه يمحو هوية النساء ويختزلهن بـ"أجساد" للترويج للمنتج. تطالعنا في لبنان الكثير من الإعلانات الشبيهة التي تظهر بعض الأجزاء من أجساد النساء، دون وجوههن، كإعلانات اللانجيري أو غيرها. "تشييء" النساء يتضمن اختزالهن إلى أجزاء من أجسادهن في محو مقصود لهويتهن وكليّتهن، مركزاً على إظهارهن كموضوع جنسي.

أشار أحد الأصدقاءن في إحدى المرات حين فتح موضوع تشييء النساء، إلى أن الرجال أيضاً هم عرضة للتشييء الجنسي، لا سيما في الإعلانات التي تروّج للثياب الداخلية الرجالية. قد يكون ذلك صحيحاً، حيث يتم إخفاء وجه الرجل، واختزاله ببعض الأجزاء من جسده. قد يكون صحيحاً أيضاً أن سوق الإعلانات يسعى مؤخراً إلى الترويج لمواصفات مثالية للرجل بنظر المجتمع، من حيث مواصفات الجسد الرياضي، والمعدة المشدودة، وغيرها من الصور النمطية والمزعومة للمواصفات المثالية للرجل.

لكن بالرغم من هذه المحاولات، تبقى صور الرجل في صناعة الأفلام مقبولة، مهما كان شكله، سواء كان أصلع أو سميناً أو أشيب الشعر. أما النساء، فهناك صورة واحدة مقبولة لهن. وحذار من أن تسعى إلى كسر هذه الصور النمطية، لا بل إن المحافظة على هذه الصور، أو السعي إلى الحصول عليها، يكلّف النساء ثمناً نفسياً وصحياً كبيراً وخطيراً. الأنوريكسيا (تجويع النفس خوفاً من زيادة الوزن والرغبة المرضية بالنحافة) والبوليميا (تناول كميات كبيرة من الطعام في وقت سريع والتخلص منه بعد ذلك) هي فقط أحد أشكال هذه الاضطرابات النفسية التي تسببها هذه الصناعة للنساء من حول العالم.

"المنتج يبيع إذا كان في إعلانه امرأة". هذه من "بديهيات التسويق". وهذه الحقيقة البديهية فيها الكثير من التمييز. ولعل هذا الشكل من التمييز يعد الأكثر خبثاً. منظومة اقتصادية تسويقية هدفها زيادة الأرباح وزيادة الطلب من قبل المستهلكين. السبيل الوحيد إلى ذلك هو النساءن أو بالأحرى أجساد النساء. الخبث في ذلك يكمن في أن تصبح النساء، (والمجتمع ككل)، على قناعة بأن النساء عليهن التقيد بالمواصفات والمعايير المُروّج لها. هكذا يتم تبني قناعة ذاتية داخلية من قبل النساء بالمواصفات التي تجلب لهن السعادة. وهنا تبدأ موجة جديدة من استهلاك مواد وأدوية التنحيف والريجيم.

التشييء الجنسي للنساء هو صناعة اقتصادية مبرمجة، لها أبعادها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية على النساء والمجتمع ككل. والإعلانات تروّج لما هو أكثر بكثير من المنتج.
(ناشطة نسوية)

اقرأ أيضاً: نساء من بلادي
دلالات
المساهمون