كما عُرض في الجلسة شريطان وثائقيان يعرضان مسيرة الإعلام التونسي، طيلة أكثر من سبعين عاماً، تحت عنوان "منظومة الدعاية والتضليل الإعلامي". وحاول معدّو الشريطين تفكيك المنظومة الدعائية التي كان يعتمدها نظام الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، والتي اعتمدت ثنائية العصا والجزرة. العصا لمن حاول الخروج عن طاعتها، ليصل الأمر إلى حد السجن والتهديد بالتصفية الجسدية، مثلما حصل مع الإعلامي رياض بن فضل الذي تمّ إطلاق الرصاص عليه عندما كان عائداً إلى منزله، بسبب كتاباته في الصحف الفرنسية.
هذه المنظومة لعبت فيها وكالة الاتصال الخارجي الدور الأبرز، من خلال محاولتها توظيف الصحافة الأجنبية في خدمة أهداف نظام بن علي التضليلية وتحكمها في الإعلانات التجارية الرسمية التي تمنحها لوسائل الإعلام التونسية التي تخدم في إطار هذه المنظومة.
السهرة الختامية التي قُدمت فيها شهادات لإعلاميين تونسيين تعرضوا للتنكيل والتجويع والسجن اعتبرتها رئيسة "هيئة الحقيقة والكرامة"، سهام بن سدرين، إدانة لهذه الممارسات وتعرية لها كي لا تتكرر من خلال العودة إلى مربع الاستبداد الأول الذي كان مكرساً قبل الثورة.
بعد ذلك توالت الشهادات التي بدأها الإعلامي محمد معالي، فتحدث مطولاً عما تعرض له الإعلاميون التونسيون من تضييقات وانتهاكات، بسبب مواقفهم الرافضة للخضوع للآلة الدعائية لنظام بن علي. كما كشف معالي عما تعرض له شخصياً من تنكيل وتجويع.
الشهادة الثانية قدمها الإعلامي والناشر والناشط السياسي، محمد بنور الذي كان يكتب قبل الثورة في صحيفة "مواطنون" التي يصدرها "حزب التكتل" المعارض لسياسة بن علي. وقد شرح بنور آليات العمل المعتمدة في الإعلام حينها من خلال التضييق الاقتصادي على الصحف المعارضة كي تضطر إلى التخلي عن دورها، خاصة بتجفيف كل مواردها الاقتصادية، وتحديداً المتعلقة منها بمنع عرضها للبيع للعموم أو من خلال ممارسة الرقابة قبل النشر من خلال الرقيب الذي كان يقوم بدور محوري في السياسة الإعلامية في عهدي الرئيسين السابقين بن علي والحبيب بورقيبة.
الإعلامي والسياسي منجي اللوز عرض في شهادته تجربة صحيفة "الموقف"، وهي واحدة من أهم الصحف المعارضة لنظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين. واستذكر الفترة التي قضاها في رئاسة تحرير هذه الصحيفة، وما تعرض له من تضييقات، خاصة أثناء تغطية أحداث الحوض المنجمي التي شهدتها تونس عام 2008، حين تم إعلان شبه العصيان المدني في محافظة فقصة في الجنوب الغربي التونسي على الممارسات القمعية للنظام قبل الثورة التونسية. وبيّن اللوز أن النظام التونسي قبل الثورة كان يعاقب من يقتني أو يقرأ صحيفة "الموقف".
من ناحيته، قدم مدير مكتب "الجزيرة الإخبارية" في تونس، لطفي الحاجي، شهادته حول ما تعرض له أثناء عمله في مجلة "حقائق" من تضييقات، وكذلك خلال انتخابه لعضوية المكتب التنفيذي في جمعية الصحافيين التونسيين (النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين حالياً)، وما تعرض له من تعطيل ومساءلة بوليسية خلال عمله أيضا كمراسل في قناة "الجزيرة".
وعرضت الكاتبة العامة الحالية في النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، سكينة عبد الصمد، شهادتها عما تعرضت له قبل الثورة من تضييقات باعتبارها تعمل في التلفزيون الرسمي التونسي وناشطة سياسية في "حزب التجديد" (الحزب الشيوعي التونسي سابقاً)، كما تحدثت عن التضييقات التي عرفها الإعلام بعد الثورة وسياسة المحاباة والمحسوبية التي يعرفها الإعلام التونسي وخاصة العمل على تفكيك الإعلام العمومي (الرسمي) وإضعافه لفائدة الإعلام الخاص.
وختمت الشهادات بشهادة الإعلامي والناشط المجتمعي، الفاهم بوكدوس الذي تحدث عن تجربته الإعلامية في تغطية أحداث الحوض المنجمي عام 2008، لفائدة قناة "الحوار التونسي" التي كانت تبث حينها من لندن، وتعرضه للسجن والتعذيب ليتحدث عن تجربة العمل السري التي خاضها كي لا يقبض عليه من طرف الأمن التونسي قبل الثورة.
يذكر أن الهيئة عرضت مسرحية عنوانها "كرامة" حاول الممثلون فيها تقديم بعض المواقف المضحكة عن السياسة القمعية قبل الثورة، في افتتاحية الجلسة. كما قامت "القناة الثانية" في التلفزيون الرسمي وإذاعتا "الشباب" و"الثقافة" من الإذاعة الرسمية التونسية بالنقل المباشر لوقائع الجلسة الـ13 والختامية لـ "هيئة الحقيقة والكرامة" .
وأنشئت "هيئة الحقيقة والكرامة" عام 2014، وكلفت "بكشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان" في تونس منذ الأول من يوليو/تموز عام 1955، أي بعد نحو شهر من حصول تونس على الحكم الذاتي من الاستعمار الفرنسي، وحتى 31 ديسمبر/كانون الأول عام 2013.