إعدام شاعر

23 نوفمبر 2015

أشرف فياض.. قضية صنعت من لا شيء (إنترنت)

+ الخط -

هذا حكم غير مسبوق. وتهمة لا تؤدي، في أي مكان في العالم، إلى سيف الجلاد. لم يفعل الشاعر والتشكيلي الفلسطيني الشاب، أشرف فياض، المولود في السعودية والمقيم فيها طول حياته، ما يجعل "قاضياً" يحكم عليه بالإعدام. الإعدام؟! أليست هناك عقوبة أخفّ، يا جماعة؟ الإعدام دفعة واحدة؟ أين نحن؟ في أي عالم نعيش؟ سنفترض أن هذا الشاب سبَّ الذات الإلهية، كما يقول المدّعون عليه، فهل يُعاقب على ذلك بجزِّ العنق؟ أليس هناك "تأهيل" لـ "المجدّفين"؟ ألا يُطلب منهم، مثلا، الاستغفار؟ وهل يحكم على امرئٍ بالإعدام بشهادة خصومه، وترفض شهادات النفي؟ وهل تنقصنا، نحن العرب، فضائح جديدة فوق فضائح الإرهاب وجزّ الأعناق، أمام الكاميرا، كما تفعل داعش؟

لا أصدّق من ادعوا على أشرف فياض. أصدّق صوت والده الكهل المصدوم لخبرٍ كهذا. يروي الرجل البالغ ثمانين عاماً للتلفزة الحكاية التي أدت إلى الحكم على ابنه بهذه العقوبة التي ألغيت، أصلا، من معظم دول العالم. يقول الأب المصدوم إن ابنه كان يشاهد مباراة كرة قدم مع زملاء له في مقهى، حصلت مشادة بينه وزميل له، بعد انتهاء المباراة سبَّه هذا الشخص، وهدَّده بالترحيل من السعودية، كما يفعل الذين يظنون إن الذين يقيمون في بلادهم تحت رحمة مزاجاتهم، وإرساله إلى غزة التي جاء منها والده قبل خمسين سنة، لكنهم تركوا "المواطن"، واعتقلوا "الوافد".

وفي السعودية شرطة دينية، تسمى "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهي التي تولت اعتقال هذا الشاعر والتشكيلي الشاب، بناء على اتهام "زميله" له بأنه "سبَّ الذات الإلهية" وشتم السعودية. ولكنْ، أن يعتقل أفراد في الشرطة شخصاً على الشبهة شيء، فهذا قد يكون عملاً مزاجياً، وأن تحكم عليه "محكمة" بالإعدام (وليس بأي حكم آخر) شيء آخر. الأدهى، بحسب رواية الأب، قبول "المحكمة" رأي المدّعي،  على علاته كما يبدو، ورفض شهادات الذين نفوا الواقعة، وبيَّنوا الجانب الكيدي فيها.

يركز كلام الوالد العجوز على رفض "التهمة" الملفقة لـ "أسباب كيدية"، فيما النقاش ينبغي أن ينصب على العقوبة نفسها، بل على تحوّل كلام في المقهى بين شبان، إثر مشادة، إلى قضية تنظر فيها "المحاكم"، ويشترك فيها، الآن، الرأي العام. هذا في الوقت الذي "يُستتاب" فيه، الشبان، الذين ينتمون إلى تنظيمات إرهابية. هناك برنامج "مناصحة" سعودي، لمن حبسوا على ذمة الانتماء إلى تنظيمات إرهابية، عاثت فساداً في البلاد، وقتلت آلاف الأبرياء. يقول أحد أعضاء اللجنة المشرفة على المناصحة إنها "أمر شرعي"، ردَّه إلى زمن الخوارج، أعاد كثيراً من "الخوارج" عن ضلالاتهم، و"المناصحة الجارية حالياً باتت أمراً ضرورياً للتعامل مع المنحرفين في أفكارهم". هذا عن المنخرطين في تنظيمات إرهابية، فماذا عمن نسبت إليه سبَّةٌ، قد لا تكون حصلت؟

 في وضع آخر، لست مضطراً لايراد هذا المثل. الأمر لا يتعلق بالنسبة والتناسب بين "الجرم" والعقوبة، وإنما بميزان الساحة نفسها التي تقبل "استيعاب" الخارج عليها بالسلاح، وتعيده إلى المجتمع الذي كفَّره، فيما يصدر "قضاؤها" أغلظ عقوبة في التاريخ على شخص لقولٍ قاله، أياً كانت خطورة هذا القول.

ويبدو أن لترصّد هذا الشاعر الشاب جذراً أقدم من حكاية المشادّة التي اتهم فيها بالتجديف، فهناك "قارئ" قدَّم فيه شكوى لتضمن ديوانه "التعليمات بالداخل" (دار الفارابي، 2008) نصوصاً تدعو إلى "الإلحاد"، فتم توقيفه على ذمة قراءة "القارئ"، لكن السلطات المعنية أطلقت سراحه، في اليوم التالي، لانعدام "الأدلة"!

نحن، في الواقع، أمام قضية صُنعت من لا شيء. فربما ما توقف كثيرون أمام اسم هذا الشاب الفلسطيني، لولا العقوبة الصاعقة التي يتردد القضاء في توجيهها بحق مرتكبي أفعال الإرهاب والخيانة العظمى والسفاحين ومغتصبي الأطفال.

 

 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن