إضراب عام في تونس... عندما تتعطل لغة الحوار

17 يناير 2019
يعكس إقرار الإضراب العام حالة من الفشل الحواري(Getty)
+ الخط -
تعيش تونس، اليوم الخميس، شللا عاما بسبب الإضراب الذي تنفذه أكبر نقابة في البلاد، (الاتحاد العام التونسي للشغل)، إذ توقفت الطائرات والحافلات والقطارات وبقي التلاميذ والطلبة في بيوتهم، إلا من بعض الخدمات الاستعجالية الهامة في حدها الأدنى، كما تنص القوانين وتقاليد الإضراب في تونس.

ويعكس إقرار الإضراب العام حالة من الفشل الحواري بين الأطراف الاجتماعية والسياسية في تونس مستمرة منذ أشهر، وصلت بالبلاد إلى وضع دقيق للغاية يهدد استقرارها ويمكن أن يقود إلى استهداف تجربتها، إذا تواصل تعنت هذه الأطراف وتزايد منسوب احتقانها على خلفية الحسابات السياسية في أفق الانتخابات القادمة نهاية هذا العام.

رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد قال، أمس الأربعاء، في خطاب توجه به إلى التونسيين ليلة الإضراب، إن حكومته ستدعو النقابات إلى الحوار مجدداً عقب إضراب الخميس، معتبرا أن "قدر الحكومة واتحاد الشغل أن يلتقيا مجدداً للتفاوض من أجل إرساء سلم اجتماعي".

ويتساءل كثيرون: إذا كان هناك حوار بعد الإضراب سينجح، فلماذا وصلت تونس أصلا إلى الإضراب اليوم، ولماذا فشل الحوار في تفادي هذه الخسارة الكبرى التي سيدفع ثمنها التونسيون وحدهم؟

يبقى السؤال أيضا حول قواعد وشروط الحوار الجديد، وما إذا كانت ستتغير بعد الخميس، فالشاهد يؤكد أن حكومته "فضلت الخيار الصعب برفض صرف زيادات تفوق القدرات المالية للبلاد، وأن الحكومة لا تريد أن تتحمل الأجيال القادمة ضريبة خيارات فاشلة".

وأضاف الشاهد أنه كان يمكن للحكومة أن تسلك النهج ذاته الذي سلكته الحكومات السابقة بتوقيع اتفاقات زيادات الأجور وتمويلها بقروض خارجية، غير أنها اختارت "مواجهة" النقابات وتغليب المصلحة العليا للبلاد، بحسب قوله.

وفي سياق متصل، أكد رئيس حكومة تونس أن الزيادات في الأجور التي حصل عليها التونسيون منذ الثورة "لم تحسن وضعهم المعيشي، وانعكست سلباً على الاقتصاد وزادت في نسب التضخم وتسببت بانهيار العملة".

والسؤال هو عما إذا كانت هذه القواعد ستتغير بعد إضراب الخميس، وخصوصا أن النقابات سترفع من شروط تفاوضها بعد نجاح إضرابها، وهل ستحافظ على التنازلات التي أشارت إليها في الحوارات السابقة بعدما تحدثت قيادات منها عن إصرارها على الزيادات نفسها التي حصل عليها عمال وموظفو القطاع العام؟ وهو ما يعني رفعا لسقف المطالب.


ويعكس هذا التباين في وجهات النظر فشلا في الحوار التونسي عموما، بعدما دخلت الدوائر التونسية الحزبية والرسمية في حالة صمت وتباعد طويلة، وحوار عن بعد، هو أشبه بالتلاسن وتبادل الاتهامات، تصاعد منسوبها بشكل لافت في الأسابيع الأخيرة.

فالخلاف بين رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة من ناحية، وبين السبسي ورئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي من ناحية أخرى، والخلاف بين "اتحاد الشغل" والحكومة، والخلاف داخل مكونات ومشتقات "نداء تونس"، والخلاف بين أحزاب الحكومة والمعارضة، كلها أدت إلى وضع عالي الاحتقان تسبب في تعطيل استكمال المؤسسات الدستورية برغم الاقتراب من نهاية "العهدة" (قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية والتشريعية)، وأصبح كثيرون يتهامسون عن تهديدات يمكن أن تطاول الانتخابات نفسها، وتقود إلى تأجيلها بسبب عدم توفر مناخ سياسي واجتماعي ملائم لها.

وبرز التباين بوضوح حول انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية وأعضاء ورئيس هيئة الانتخابات، وتحول البرلمان إلى حلبة سباب واشتباك بالأيدي بين النواب، يعكس منسوب التوتر السياسي الذي وصلت إليه البلاد.

ويلخص عبد الفتاح مورو، نائب رئيس البرلمان، في حوار لإذاعة "شمس"، هذا الوضع داعيا إلى "حوار وطني يتم فيه التوازن بين القدرات والحاجيات وتحدد فيه الأولويات"، مضيفا أنه "كان من المفروض أن يقوم السياسيون بهذا الحوار الوطني، لكنهم مهتمون حاليا بانتخابات 2019"، ومؤكدا على ضرورة "جلسة لا يوجد فيها غالب ولا مغلوب".

وتأتي إشارة مورو للغالب والمغلوب لتؤكد على جانب الخلافات الشخصية في هذا الوضع عموما، إذ لا يخلو الأمر من مناكفات شخصية بين الرموز الحزبية والرسمية يتبادل تفاصيلها التونسيون في الحلقات المغلقة وتتزايد حلقاتها يوما بعد يوم.

ولكن يبدو أن مسألة إنضاج ظروف حوار وطني جديد تتسارع، على أمل ألا يكون العنف مجددا شرطا لها كما حدث قبيل انتخابات 2014 عندما تواجه التونسيون في باردو وتم إنقاذ الوضع في اللحظات الأخيرة.