ففي خطوة غير مسبوقة، أمر وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بتشكيل غرفة عمليات في وزارته تضم دبلوماسيين وممثلين عن جهازي "الموساد" وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" بهدف تعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية بين إسرائيل وهذه الدول، التي تضم: كازاخستان وأوزبكستان وقرغزستان وطاجيكستان وتركمنستان، التي تقع في آسيا الوسطى، وأذربيجان التي تقع جنوب القوقاز.
وقد نقلت قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، قبل فترة، عن مصدر في الخارجية الإسرائيلية قوله، إن مواجهة خطر الحركات الجهادية وأنشطة "حزب الله" باتت تمثّل قاسماً مشتركاً بين إسرائيل وهذه الدول، مما استدعى بلورة آلية عمل لتحسين قدرة الوزارة على تطوير تبادل المعلومات الاستخبارية.
ولفت المصدر إلى أن هناك ما يؤشر على أن خلايا لـ"حزب الله" تسعى إلى استهداف مصالح إسرائيلية ويهودية في هذه الدول.
وتؤكد محافل إسرائيلية رسمية أن دائرة "أوراسيا 2"، التي دُشنت خصيصاً في الخارجية الإسرائيلية بهدف تنسيق الجهود الهادفة إلى تعزيز العلاقات مع هذه الدول، تعمل بشكل متواصل من أجل استنفاد الطاقة الكامنة في هذه العلاقات.
وتُركّز إسرائيل بشكل خاص على تعزيز العلاقات مع ثلاث دول رئيسية، وهي كازاخستان، أوزبكستان وأذربيجان، وذلك نظراً للأهمية الكبيرة لمكانتها الجيواستراتيجية بفعل قربها من إيران، التي هي في حالة عداء مع إسرائيل، وتركيا التي تدهورت علاقتها بشكل كبير مع تل أبيب، إضافة الى موارد هذه الدول الضخمة التي أغرت الكثير من الشركات الإسرائيلية بالاستثمار هناك.
ويشير "مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية"، التابع لجامعة "بار إيلان"، الى أن أحد أسباب الحرص الإسرائيلي على تعزيز العلاقات مع هذه الدول، يرجع إلى حقيقة أنها تمثل بوابة للوصول إلى العالم الإسلامي.
وفي ورقة صدرت، أخيراً، عنه، أشار المركز إلى أنه بالإضافة إلى العوائد الاستراتيجية الناجمة عن التعاون الأمني والاستخباري مع هذه الدول، فإن هذه الدول تمثّل سوقاً لمنتجات الشركات الإسرائيلية، لا سيما شركات التقنية المتقدمة، التي تحتاجها هذه الدول في تطوير مؤسساتها وتحسّن من قدرتها على استغلال مواردها الطبيعية الغنية.
وأكد المدير الأسبق للخارجية الإسرائيلية، ألون ليفين، أن الموارد الضخمة لهذه الدول، جعلت العالم ومن ضمنه إسرائيل ينظر إليها على اعتبارها "الملعب العالمي الجديد".
ولفت ليفين، في مقال نشرته دورية "سيكور مموكاد" في عددها ما قبل الأخير، إلى أن ثراء هذه الدول عزز من استعدادها لاستقبال الاستثمارات الإسرائيلية، موضحاً أن كازاخستان تملك احتياطيّاً من النفط يبلغ 30 مليار برميل، وتركمنستان تملك 11,6 في المائة من احتياطات الغاز في العالم، فيما يبلغ احتياطي أوزبكستان من الغاز 1,8 ترليون متر مكعب.
وتنبع أهمية هذه الدول بالنسبة لإسرائيل، أيضاً، من كونها مصدراً مهماً للمهاجرين اليهود، إذ أن مئات الآلاف من اليهود هاجروا منها إلى إسرائيل، فضلاً عن أن الوكالة اليهودية تعمل على إقناع المزيد منهم بالهجرة إلى إسرائيل. وقد سمحت هذه الدول للوكالة اليهودية بإقامة مراكز ثقافية يهودية لتعزيز علاقة هؤلاء اليهود بإسرائيل.
ومن الدلائل على أهمية العلاقات بين الجانبين، حقيقة أن احتفالات كازاخستان بعيد استقلالها العام الماضي جمع كبار وزراء الحكومة والمعارضة في إسرائيل.
ونقل موقع "عروتس شيفع" في حينه عن وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن اليعازر بأنه لعب دوراً رئيسياً في تعزيز التعاون الأمني مع كازاخستان، التي تعتبر أكبر دول آسيا الوسطى من جهة المساحة وأغناها.
وكشف بن اليعازر أن حكومة كازاخستان منحته ميدالية "تقديراً" لجهوده في بناء الدولة وتطويرها، من خلال موقعه كوزير للبنى التحتية في حكومة أرييل شارون.
كما هناك ما يدلل على أن إسرائيل توظّف علاقاتها مع هذه الدول في إدارة لعبة مزدوجة مع كل من الولايات المتحدة وروسيا. فمن جهة تدّعي تل أبيب أمام الأميركيين أنها توظف علاقاتها مع هذه الدول لمنع توسّع روسيا وللحيلولة من دون استعادتها مكانة الاتحاد السوفييتي. وفي المقابل، فإن تل أبيب تحرص على ضبط وتيرة علاقاتها مع هذه الدول كي لا تؤدي إلى استفزاز الروس.
ويذكر الإسرائيليون جيداً ردة الفعل الروسية الغاضبة عندما تبين أن إسرائيل تزوّد جورجيا، التي كانت في حالة حرب مع روسيا، بأسلحة متطورة، والرد الروسي بتعزيز العلاقات مع إيران في حينه.
وقد تبيّن أن هناك وجهاً أسود لعلاقات إسرائيل بهذه الدول، إذ تلعب تل أبيب دوراً أساسيّاً في تحسين قدرة أنظمة الحكم في تلك الدول على قمع المعارضة السياسية. وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن شركات إسرائيلية تُزوّد أنظمة الحكم في كازاخستان وأوزبكستان بتقنيات تمكّنها من التنصت على المكالمات الهاتفية للمعارضين السياسيين ورصد أنشطتهم على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
ونقلت الصحيفة عن منظمة "حقوق الإنسان العالمية للخصوصية الشخصية"، والتي تدافع عن خصوصية الفرد، قولها إن شركتي "نيس" و"رينت" الإسرائيليتين زودتا حكومتي كازاخستان وأوزبكستان بتقنيات قادرة على تتبّع أنشطة الصحافيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان.
وأشارت المنظمة إلى أن المئات من المعارضين وناشطي حقوق الإنسان اعتُقلوا وتعرضوا للتعذيب بفعل "الأدلة" التي وفرتها التقنيات التي سلّمتها الشركات الإسرائيلية للأجهزة الأمنية في البلدين.