توجد ثلاث أفكار مركزية تعبر عن مرحلة المراهقة، تلك الفترة التي تبدأ حول سن الثانية عشرة وتنتهي حول سن العشرين، أما الفكرة الأولى، فهي أن مرحلة المراهقة – حسب دراسات "إريكسون" – هي مرحلة الهوية، أي أن خلال هذه المرحلة يعيد الطفل طرح جميع الأسئلة الأساسية، من أنا؟ ما هي أهدافي؟ ما الذي أؤمن به؟ إلى أين أذهب؟ ما هي ميولي واتجاهاتي وأفكاري وأخلاقي؟ أين ضميري؟ ما هو الصواب وما هو الخطأ؟
هذه الأسئلة التي ربما قام الأب أو الأم بالإجابة عنها في مرحلة الطفولة، يعيد المراهق طرحها واختبارها مرة أخرى ليؤكد تصديقه على الإجابات السابقة أو رفضه لها.
أما الفكرة الثانية: فأنه في خلال مرحلة المراهقة تظهر احتياجات ورغبات؛ بعضها لم يكن موجودا من قبل، والبعض الآخر كان موجودا ولكنه أصبح الآن أكثر عمقا وربما توحشا، مثل الرغبات العاطفية والجنسية، والشعور بالذات والكرامة والخصوصية، والاحتياج للحرية والاختيار والتجربة.
الفكرة الثالثة: هي أن هذا المراهق الذي تقفز في رأسه هذه التساؤلات المصيرية والاحتياجات المفاجئة هو مسكين قليل الخبرة، يحمل حملا ثقيلا من الرغبات ولم تقو عضلات الإرادة لديه بعد، ويطرح تساؤلات تحتاج من التفكير التحليلي والنقدي إلى ما لم ينمُ لديه بعد، والفصل الأسوأ من القصة هو أنه يعاند مساعدة الآخرين له (لأن هذه جزء من طبيعة المرحلة).
إذا جمعنا الأفكار الثلاث معا، تكون الصورة كالتالي: نحن أمام شخص في مرحلة مصيرية من حياته، ونقطة تحول تاريخية، يبني أفكاره الأساسية واختياراته في الحياة، يواجه رغبات جديدة وعارمة، وبالتالي فهو في حاجة إلى تطوير مهارات تفكيره وكذلك التدريب على استخدام إرادته وتقويتها، مع الأخذ في الاعتبار أنه يرفض أن يملي عليه أحد شيئا أو أن يوجهه بشكل أبوي سلطوي.
نسأل أنفسنا أحيانا، لماذا خلق الله تعالى المراهق على هذا النحو المزعج؟ ربما يكون السبب – من وجهة نظري – هو أن الله أراد أن يحميه من الكبار، فإذا كان المراهق مجرد عجينة سهلة في يد الكبار فإنه سيكون نسخة مكررة منهم، ليعيش بهذه النسخة زمنا ليس كزمانهم، فلعل الله تعالى أراد أن يحافظ على تجدد الأجيال، وأن يكون لكل إنسان شخصيته وإضافته وإبداعه.
وهذا بالطبع لا ينفي دور الكبار أو المربين تجاه المراهق، حيث إن مسؤوليتهم تجاهه عظيمة، والجهد المطلوب منهم جلل. ولكن الأسئلة هي: "ماذا" و"كيف"، ماذا يجب عليهم أن يقدموا له؟ وكيف يقدمون هذا؟
اقرأ أيضا:علم طفلك النظام وإدارة الوقت
ولعل النقاط التالية تجيب عن هذين السؤالين "ماذا" و"كيف":
1. أكثر ما يحتاج إليه المراهق هو "التعاطف". والتعاطف ليس معناه الشفقة، وليس معناه الموافقة على الأفعال والتصرفات، ولكن التعاطف ببساطة معناه: "أنا أشعر بك وأتفهم". أنا أشعر بك وأتفهم أن قلبك يميل لهذه الفتاة وأنك حادثتها وقابلتها، أنا أشعر بك وأتفهم أنك عندما انفعلت ورفعت صوتك كان هذا بسبب كذا وكذا، أنا أشعر بك وأتفهم أنك لم تعد قادرا على الحفظ في المذاكرة كما كنت في طفولتك، أنا أشعر بك وأتفهم أنك لم تكن صادقا في الموقف الفلاني بسبب كذا وكذا، ...وكما ذكرت.
التعاطف ليس معناه الموافقة، فلنعلن رفضنا لتصرفاته كما شئنا، ولنقترح حلولا وبرامج قدر استطاعتنا، ولكن يجب أن يكون هذا كله مسبوقا بالتعاطف.. وهنا أؤكد أن يكون التعاطف حقيقيا ونابعا من القلب، فهناك فارق كبير بين التعاطف وبين ادعاء التعاطف، كما أن المراهق يستطيع أن يستشعر الفرق بسهولة، وبناء عليه يفتح أو يغلق في وجهك الباب.
2. بما أن فترة المراهقة هي أكثر الفترات وقوعا في الأخطاء وربما الخطايا، فإن بعض الآباء يتهاون ويتخاذل وينظر لهذا على أنه شيء طبيعي فيترك المراهق ليستمتع بأخطائه وخطاياه، وعلى الجانب الآخر يتصور البعض أن الرقابة والقمع والمنع والحزم هي السبيل.
والحقيقة أن كلا الاختيارين خطأ؛ فالاختيار الأول خطأ لأنه يضع المراهق على طريق الانحطاط والانحلال، ويضيع عليه الفرصة الذهبية للتدريب على المقاومة والتدريب على الإرادة والصبر والأخلاق، وكذلك فإن الاختيار الثاني أيضا خطأ لأنه فعلا قد يكون نافعا مع الأطفال، ولكنه لا يجدي نفعا مع المراهقين، كما أنه يجعل مسؤولية "الضمير" في يد الأب أو الأم بدلا من أن تنتقل للمراهق.
المراهق هنا يحتاج إلى اختيار ثالث: يحتاج أن يعرف أن هذا خطأ (وهذا يحتاج وقتا طويلا جدا من الحوار والإقناع)، ثم يحتاج دائما أن تفتح أمامه باب الرجوع، وكأن الرسالة الموجهة له هي: هذا خطأ، وأنا متعاطف معك، وباب الرجوع مفتوح حتى لو سقطت 1000 مرة. وكأن هذا يشبه نفس فلسفة "غفرت لك ولا أبالي" أو أن "خير الخطائين التوابون"، أي أن المراهق يحتاج إلى من يساعده في معرفة ما هو الخطأ؟ ثم يساعده في التدرب على المقاومة، ثم يستمر فاتحا باب الرجوع دائما.
3. الحوار ثم الحوار، والكرامة ثم الكرامة، انس تماما أنك ستملي على المراهق شيئا فيؤمن به لمجرد أنك أبوه أو أمه أو الأكبر سنا، بل على العكس هو يشعر دائما أنك لا تفهم شيئا عن عصره.
تذكر أن المراهق أصبح لديه عقل يفكر، وانس تماما أنه ذلك الطفل الصغير، وتعامل معه كما تحب أن يتعامل معك الناس، تعامل معه بكرامة واحترام كما تحب أن يعاملك الناس، تحاور معه بعقلانية كما تحب أن يحاورك الناس، لا تتوقع أن كل ما تقوله سيكون مقنعا له بالضبط كما أن كل ما يقوله لك الناس ليس مقنعا لك. تذكر – ببساطة - أنه قد كبُر.
4. استمر في اكتشاف ميوله التي يحددها هو، وقدم له الأدوات التي تساعده في هذه الاختيارات والميول. فقط افتح أمامه السبل، واجعله هو المسؤول، وهو الذي يختار، وقف أنت في الخلف داعما ومذللا للعقبات، وامنحه الثقة في نفسه وفي قدراته وتقبل هذه القدرات حتى لو لم تكن تماما كما كنت أنت تتمنى أو تتوقع.
وأخيرا .. عدد قليل من الآباء ينجحون في السيطرة التامة على المراهق وتحويله إلى آلة في أيديهم ويصنعون منه مسخا اعتماديا عديم الشخصية والإبداع، والعدد الأكبر من الآباء يفقدون التواصل والتوجيه ويدفعون بأبنائهم المراهقين إلى الفشل والإدمان والاضطرابات السلوكية والأخلاقية، ونحن لا نتمنى حدوث هذا ولا ذاك، وإنما ندعو إلى التعاطف، والحوار، وحفظ الكرامة، والمساعدة على المقاومة، وفتح باب الرجوع، وتنمية الميول، وقبل كل شيء الحب والتقبل.
اقرأ أيضا:الألعاب الإلكترونية والوالدان.. أيهما يربح؟!