30 أكتوبر 2024
أين الخلل في أمن الخليج؟
منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، والولايات المتحدة لا تترك فرصةً إلا وتنتهزها للضغط على حلفائها، سواء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو في شرق آسيا، لزيادة نفقاتهم الدفاعية إلى 2% من الناتج الإجمالي القومي. وباستثناء فرنسا وبريطانيا وكوريا الجنوبية، لم يتجاوب حتى الآن أكثر الحلفاء، فالغالبية العظمى من حكومات هذه الدول مازالت تفضل إنفاق المال العام على التنمية البشرية (الصحة والتعليم) وتطوير البنية التحتية وإيجاد فرص عمل. مع ذلك، يستطيع المرء أن يتحدّث عن وجود منظومة أمن جماعي غربية فعالة، تردع روسيا والصين وغيرها من قوى طامحة.
في المقابل، نرى ما يشبه سباق تسلح في منطقة الخليج العربي، ونسمع أو نقرأ الكثير عن وجود منظومة أمن خليجي موحّدة، لكننا لا نجد من آثار هذا السباق إلا انعكاساته السلبية على عملية التنمية، يعزّز الشعور بها انخفاض أسعار النفط، ولا نلمس وجودا فعليا لمنظومة الأمن العتيدة، خصوصا مع التصدّع الذي كشفته الأزمة الأخيرة.
فسباق التسلح هو تنافس بين دولتين، أو أكثر، للحصول على أفضل الأسلحة وأكثرها فتكاً (أو تطويرها)، لتحقيق تفوق نوعي على الخصم، أو الحفاظ على توازن قوى يحقّق الردع اتجاهه. لكن، يمكن لسباق التسلح أن يخدم أهدافا أخرى أيضاً، أهمها استنزاف قدرات الخصم المالية، وتحويلها بعيدا عن التنمية والازدهار الاقتصادي، والذي من دونه لا يمكن الاستمرار في تطوير قدراتٍ عسكرية فعالة، وهو ما فعلته إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، عندما أطلقت "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" أو "حرب النجوم"، وتبيّن لاحقاً أن هدفها الرئيس إدخال الاتحاد السوفييتي في سباق تسلح مرهق، أدى، في نهاية المطاف، إلى انهياره.
واقع الحال أن إنفاق دول الخليج العربية على التسلح يتجاوز كل ما هو معروف في العالم، مع ذلك لا تحقّق المنظومات الدفاعية المتفوقة أي نوع من الردع أو الاحتواء للنفوذ الإيراني في المنطقة. دع جانباً مسألة دفعه إلى التراجع، علماً أن أكثر الخبراء العسكريين يعدّون إيران أكبر متحف سلاح في العالم، نظراً لتخلّف معداتها العسكرية، والتي يعود بعضها، من دون مبالغة، إلى الحرب العالمية الثانية. فوق هذا، يشعر المرء أن سباق التسلح يجري بين دول الخليج، وليس بينها وبين وإيران، ويستنزف من ثم مقدّراتها أكثر مما يستنزف مقدّرات إيران، إذا افترضنا جدلاً أن هناك من يفكّر باستخدام استراتيجية ريغان لإلحاق إيران بالاتحاد السوفييتي. يصح هذا القول أكثر إذا لاحظنا بناء كل دولة من دول مجلس التعاون قوتها بمعزل عن الآخرين، وفي غياب خطة تكاملية بين الدول الأعضاء، بحيث يتم تشبيك نظمها العسكرية وتشغيلها وحدةً دفاعية متكاملة.
بحسب معهد استوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)، أنفقت إيران على احتياجاتها الأمنية والدفاعية عام 2016 نحو 16 مليار دولار، أي ما يقارب 4% من إجمالي الناتج القومي، وهو تقريباً ما كانت تنفقه منذ 2012. في المقابل، أنفقت دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة ما يقارب 91 مليار دولار عام 2016، انخفاضاً من 117 مليارا عام 2013، عندما كانت أسعار النفط في ذروتها (أي أكثر من إنفاق الصين ذلك العام، فيما عدد سكان الصين أربعون ضعف سكان دول الخليج، وسبعة أضعاف اقتصاداتها!).
وباستثناء قطر، تنفق دول الخليج العربية أكثر مما تنفق الولايات المتحدة على الدفاع كنسبة من ناتجها القومي (3,9%). فقد أنفقت السعودية في العام 2015 نحو 87 مليار دولار، أي 13,7% من ناتجها القومي (5,2 % من إنفاق العالم على التسلح). وعلى الرغم من أن الاقتصاد السعودي يأتي في المرتبة 19 في العالم من حيث الحجم، فإنه يحتل المرتبة الثالثة في الإنفاق العسكري، بعد الولايات المتحدة والصين، متجاوزا بذلك ألمانيا واليابان وبريطانيا وفرنسا وروسيا أيضاً. يأتي هذا الإنفاق على حساب التنمية وبرامج خدمة المجتمع، من دون أن يؤدي، بالضرورة، إلى تحقق الأهداف الاستراتيجية والعسكرية للسعودية وبقية الدول الخليجية، سواء تمثل ذلك في ردع إيران أو احتوائها أو استنزاف قدراتها، فأين يكمن الخلل؟ هذا السؤال اختياري، لا تلزم الإجابة عنه بالضرورة.
في المقابل، نرى ما يشبه سباق تسلح في منطقة الخليج العربي، ونسمع أو نقرأ الكثير عن وجود منظومة أمن خليجي موحّدة، لكننا لا نجد من آثار هذا السباق إلا انعكاساته السلبية على عملية التنمية، يعزّز الشعور بها انخفاض أسعار النفط، ولا نلمس وجودا فعليا لمنظومة الأمن العتيدة، خصوصا مع التصدّع الذي كشفته الأزمة الأخيرة.
فسباق التسلح هو تنافس بين دولتين، أو أكثر، للحصول على أفضل الأسلحة وأكثرها فتكاً (أو تطويرها)، لتحقيق تفوق نوعي على الخصم، أو الحفاظ على توازن قوى يحقّق الردع اتجاهه. لكن، يمكن لسباق التسلح أن يخدم أهدافا أخرى أيضاً، أهمها استنزاف قدرات الخصم المالية، وتحويلها بعيدا عن التنمية والازدهار الاقتصادي، والذي من دونه لا يمكن الاستمرار في تطوير قدراتٍ عسكرية فعالة، وهو ما فعلته إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، عندما أطلقت "مبادرة الدفاع الاستراتيجي" أو "حرب النجوم"، وتبيّن لاحقاً أن هدفها الرئيس إدخال الاتحاد السوفييتي في سباق تسلح مرهق، أدى، في نهاية المطاف، إلى انهياره.
واقع الحال أن إنفاق دول الخليج العربية على التسلح يتجاوز كل ما هو معروف في العالم، مع ذلك لا تحقّق المنظومات الدفاعية المتفوقة أي نوع من الردع أو الاحتواء للنفوذ الإيراني في المنطقة. دع جانباً مسألة دفعه إلى التراجع، علماً أن أكثر الخبراء العسكريين يعدّون إيران أكبر متحف سلاح في العالم، نظراً لتخلّف معداتها العسكرية، والتي يعود بعضها، من دون مبالغة، إلى الحرب العالمية الثانية. فوق هذا، يشعر المرء أن سباق التسلح يجري بين دول الخليج، وليس بينها وبين وإيران، ويستنزف من ثم مقدّراتها أكثر مما يستنزف مقدّرات إيران، إذا افترضنا جدلاً أن هناك من يفكّر باستخدام استراتيجية ريغان لإلحاق إيران بالاتحاد السوفييتي. يصح هذا القول أكثر إذا لاحظنا بناء كل دولة من دول مجلس التعاون قوتها بمعزل عن الآخرين، وفي غياب خطة تكاملية بين الدول الأعضاء، بحيث يتم تشبيك نظمها العسكرية وتشغيلها وحدةً دفاعية متكاملة.
بحسب معهد استوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)، أنفقت إيران على احتياجاتها الأمنية والدفاعية عام 2016 نحو 16 مليار دولار، أي ما يقارب 4% من إجمالي الناتج القومي، وهو تقريباً ما كانت تنفقه منذ 2012. في المقابل، أنفقت دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة ما يقارب 91 مليار دولار عام 2016، انخفاضاً من 117 مليارا عام 2013، عندما كانت أسعار النفط في ذروتها (أي أكثر من إنفاق الصين ذلك العام، فيما عدد سكان الصين أربعون ضعف سكان دول الخليج، وسبعة أضعاف اقتصاداتها!).
وباستثناء قطر، تنفق دول الخليج العربية أكثر مما تنفق الولايات المتحدة على الدفاع كنسبة من ناتجها القومي (3,9%). فقد أنفقت السعودية في العام 2015 نحو 87 مليار دولار، أي 13,7% من ناتجها القومي (5,2 % من إنفاق العالم على التسلح). وعلى الرغم من أن الاقتصاد السعودي يأتي في المرتبة 19 في العالم من حيث الحجم، فإنه يحتل المرتبة الثالثة في الإنفاق العسكري، بعد الولايات المتحدة والصين، متجاوزا بذلك ألمانيا واليابان وبريطانيا وفرنسا وروسيا أيضاً. يأتي هذا الإنفاق على حساب التنمية وبرامج خدمة المجتمع، من دون أن يؤدي، بالضرورة، إلى تحقق الأهداف الاستراتيجية والعسكرية للسعودية وبقية الدول الخليجية، سواء تمثل ذلك في ردع إيران أو احتوائها أو استنزاف قدراتها، فأين يكمن الخلل؟ هذا السؤال اختياري، لا تلزم الإجابة عنه بالضرورة.