يظل أي غرافيتي معرّضاً للمحو أو التخريب، ربما يكون ذلك جزءاً من خصوصية فنون الشارع بصفة عامة. غير أن بعض الأعمال قد تصنع صلات مع الناس تجعل أي مسّ بها بمثابة اعتداء. شيء من ذلك حدث، ويحدث، مع رسومات فنان الشارع الفرنسي إنفيدر (Invader) في باريس.
ففي الأسبوع الأوّل من الشهر الجاري، نشر مدوّنون على الإنترنت صورة عاملَين من بلدية باريس يقومان بقلع المربعات المكوّنة لأعمال فنان الشارع الفرنسي إنفيدر (ويعني اسمه المجتاح أو الغازي بالإنكليزية)، ثم تلت ذلك صور عديدة تثبت أنه تم إزالة – جزئياً أو كلياً – ما يعادل 15 عملاً، فيما أشار البعض إلى أن عمليات الإزالة بدأت في منتصف الشهر الماضي، ما فتح نقاشات حول واقع فنون الشارع والحريات، قبل أن تتلقّفها تطوّرات غريبة وغموض مصاحب للقضية.
مع بداية الحملة الإلكترونية ضد إزالة أعمال إنفيدر، تعاملت بلدية باريس مع الأمر بصمت، لكن ومع صعود التهم من شبكات التواصل الاجتماعي إلى الصحافة المكتوبة، جرى نفي قرار الإزالة، ما أطلق احتمالاً جديداً وغير متوقّع عن وجود منتحلي صفة عمّال نظافة يقومون بتخريب الأعمال وربما سرقتها وبيعها لاحقاً.
هكذا وبعد أن كانت المتهم الرئيسي، أصبحت بلدية باريس جزءاً من الحملة، ربما هي العنصر الأهم فيها مستقبلاً باعتبار أنها رفعت قضية انتحال صفة ضدّ مجهولين. علماً أنه لا يمكن قانونياً الحديث عن عمل تخريبي باعتبار أن رسوم الغرافيتي بلا حقوق ملكية، هذا دون أن ننسى أن بعض القوانين تعتبر الغرافيتي في حدّ ذاته تخريباً، وهو ما يجعل قضية أعمال إنفيدر الباريسية تقريباً بدون مخرج قانوني.
كان إنفيدر قد بدأ مشروعه منذ قرابة عشرين عاماً، بوضع "أيقونات الثقافة الشعبية" (شخصيات من عالم الفن مثل الموناليزا، أبطال ألعاب فيديو، شخصيات المانغا اليابانية...) في زوايا في شوارع كثيرة ضمن مشروعه بـ"غزو الفضاءات العامة"، وهو ما تحقّق بشكل كبير، إذ إنه وإن كانت باريس منطلق المشروع، وهي أيضاً أكثر المدن التي وضع فيها أعماله، إلا أن الكثير من بلدان العالم نجد فيها أيقوناته والتي تقدّر بأكثر من 3500 رسم تُظهر تنوّعاً لافتاً لدى الفنان ومرجعياته، وإن أشير إلى وجود بعض الأعمال المنتحلة.
مثل رسومات غرافيتي أخرى، نجحت أعمال إنفيدر في أن تكون جزءاً من روح المكان الذي وُضعت فيه، وهذا ما يفسّر ردود الأفعال تجاه أي مسّ بـ"مخلوقات إنفيدر"، ولكن نفس السبب قد جعل منها بضاعة للبيع والشراء في السوق السوداء للفن التي باتت هي الأخرى تخصّص جزءاً منها لفنون الشارع على ما يبدو.