أيام الشاعر السبعة

09 اغسطس 2014
+ الخط -

الكتابة عن محمود درويش، في سياق الذكرى السادسة لرحيله التي تحل اليوم، تستدعي إشكالية الكتابة عن الرمز المكرّس، سواء باجتراحها للقيمة الخاصّة، المتمثّلة بالشاعر، أو باجتراحها للقيمة العامّة، المتمثّلة بفلسطين.

المزيد من الرثاء، والكثير من العزاء، في كل عام. في وقتٍ أضحت فيه المراثي، صناعة تجاوزها التاريخ، أو بدّدها في أشكال جديدة من التعبير. في المقابل، تبدو حاجة النائحين والورثة، أكبر من المعاني الثقافية التي تدفعها المناسبات - عادة - إلى التخلّي عن علاقتها بالثقافة، باعتبار اللطم: فضيلة، والجمهور: مصيدة، والبيان الاعتباريّ: خاتمة للوطن الحزين! إذ تفيض الأعطيات بالإنشاء الخطابيّ، وتكتفي المشهديّة بالتمسّح بالشاعر، شهرة ومجداً.

هي إذن، "أيام الحبّ السبعة" في منام الشاعر الطويل. ترقدُ في ذكراه، كما لو أنّها أسبوعٌ فائتٌ من الخُضرة. كما لو أنّها الغَدُ العميق.


*

هل الشِعر محاولة؟ بمعنى أكثر تفصيلاً، هل للمحاولة معنى دقيق في التجربة الشِعرية؟ يلفتني، وربما، يلفت كثيرين غيري، عنوان تلك المجموعة الشعريّة "محاولة رقم 7"، والتي أصدرها صاحب "أرى ما أريد" في العام 1973. وبالاستناد إلى اللغة الواقعيّة؛ فإنّ المحاولة، تنطوي على قدر كبير من التردّد والشك. يضاف إليها في لعبة العَدّ، صبغة التمرّد، والإشكال. مما يجعل هذا العنوان الكبير متماهياً مع جملة من المخاضات العسيرة لولادة النص الشِعريّ. لكن ما هو جوهري فيه، ذلك الوعي بوعورة المسلك الكتابيّ، الذي يبدو وعياً متقدّماً، ومُحيطاً بمشروع كبير يُعنى بالقيمة والقدرة. وهو الوعي الذي يلزم الشاعر، في سياق استمراريّته، بالمعنى الإبداعيّ، لا بالمعنى الزمنيّ المجرّد. وكم تبدو محاولة الشِعر بلا رقم. وكم تبدو محاولته، وحيدة، وصِفريّة، وسط اللغط الثقافيّ الشائع، الذي يكثر فيه الاعتماد على القوالب الجاهزة.


*

لم تسلم تجربة محمود درويش الشِعريّة من البهرجة الإيقاعيّة، والحشو الملازم لها، لا سيّما في طِوال القصائد، والملحميّات - إن جاز التعبير. البهرجة تلك صاحبها أيضاً إنشادٌ كان يحجب، في كل مرة، صورة النص بالصوت، في حضور يحتفي بثقل الاسم، واتّساعه.

ولم تشغل مخاوف الملحميّات، ولا مثالب القصيدة الطويلة، فيما نظن، سؤال درويش الإبداعيّ كثيراً. بل نظنّه حسم أمره بالاسترخاء فيها من باب اختبارها القديم في منجزه الأوّل من جهة، وحاجته إليها موضوعيّاً من جهة أخرى. حتى يكاد يكون عنوان مجموعة قصائده الأخيرة التي جمعت ونشرت بعد رحيله "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي"، محمولاً في تكوينهِ النفسيّ على رؤية ملحميّة، تُفضي إلى هواجس النهاية والتوقّف والموت.


* شاعر من فلسطين

دلالات
المساهمون