أولويات أوباما الداخليّة على حساب فلسطين
أصدر البيت الأبيض بياناً، في 13 يناير/ كانون الثاني الجاري، جاء فيه أن الرئيس باراك أوباما أجرى مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "ناقش فيها خطوة القيادة الفلسطينية بالانضمام للمحكمة الدولية الجنائية، والمفاوضات الإيرانية النووية الجارية"، وأكد أن الولايات المتحدة لا تعتقد أن الانضمام الفلسطيني للمحكمة "خطوة بنّاءة".
إذاً، يبدو أن الرئيس أوباما أراد طمأنة نتنياهو بأن واشنطن قد تعمل للحيلولة دون تفعيل القرار الفلسطيني بهذا الشأن، وكأنه يقول إن التمدد الاستيطاني ليس جريمة، كما القضم المتواصل للقدس الشرقية، والعدوان على قطاع غزة يجب أن يبقى بمنأى عن أية محاكمة. ويعني ذلك أن عدم امتثال إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة يجب أن يبقى بعيداً عن المساءلة، الأمر الذي يشجعها على الإمعان في سياستها الراهنة.
كما اعتبر الرئيس الأميركي في المكالمة أن "السلطة الفلسطينية ليست دولة ذات سيادة، وهي بالتالي غير مؤهلة للانضمام إلى المحكمة الدولية"، وأضاف أن "من شأن هذه الخطوة أن تقوّض الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين". هذا الإنكار لكون فلسطين دولة ذات سيادة، يتناقض مع الاعتراف الدولي الواسع بأنها دولة تحت احتلال، وهو اعتراف تدعمه أكثر من 150 دولة في الأمم المتحدة.
لكن، لماذا أراد أوباما طمأنة نتنياهو في وقت لا يزال فيه الأخير يتعرض لانتقادات شتى، بسبب قوله إن إسرائيل ترحب بعودة يهود فرنسا إليها؟ فهذا التصريح يشكك بالديمقراطية الفرنسية، وتجذّر الفرنسيين اليهود في وطنهم. لكن هدف نتنياهو من هذا الموقف هو الادعاء بأن ما حصل في باريس مثال على الخطر الدائم الذي يتعرض له اليهود، ومثال على اللاسامية المستشرية في أوروبا، لتكون بذلك دولة إسرائيل موطناً آمناً لليهود، أي دولة يهودية. وهكذا طعن نتنياهو بصدقية ديمقراطية فرنسا التي تبنت مقولة "فرنسا بلا مواطنيها اليهود ليست فرنسا"، ما دفع يهود فرنسا إلى الانتفاض، رداً على محاولة نتنياهو تلك.
لست أدري مغزى توقيت إنكار الرئيس أوباما حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. لماذا، يا ترى، لم يسأل الرئيس، خريج كلية الحقوق من جامعة هارفرد، عن أسباب فشل وزير خارجيته، جون كيري، في إحراز اختراق في عملية السلام؟ لماذا لا يسأل نفسه ما كان من الممكن تحقيقه لولا أنه قرر تطبيق قناعاته السابقة على سياسته الحالية التي اختزلها حديثه الأخير؟ إذا كان هناك من تفسير لتوقيت مثل ما ورد في حديثه التلفوني مع نتنياهو، قد يكون لأنه يرغب في تمرير مشاريعه في مجلسي الكونغرس، ذوي الأغلبية الجمهورية، كقانون الهجرة وتمويل الضمان الصحي. كما ولأن غالبية أعضاء الكونغرس يخضعون لتأثير اللوبي الإسرائيلي، يريد الرئيس الأميركي تجنب أي تعطيل لسياساته الداخلية، والتي ستشكل إرثه الرئاسي.
معروف أن الرئيس أوباما كان مستاءً من عجرفة نتنياهو الذي يعتمد نهج الإملاء، بدلاً من الإقناع، ما جعل العلاقات متوترة بينهما، إلا أن عدم مشاركته في المسيرة في باريس واكتفائه بأن يكون التمثيل على مستوى سفيرة الولايات المتحدة في فرنسا، أدى إلى انتقادات شديدة، بحيث كان بإمكانه، على الأقل، إيفاد نائبه، جو بايدن، لتمثيله أو رئيس مجلس النواب. كما أن الاستياء العارم لوجود نتنياهو في التظاهرة، استدعت أن يوجد في الوقت نفسه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في التظاهرة، وقد أكد على الإدانة الواضحة والحاسمة للعملية الإرهابية. لكن، في المقابل، حاول نتنياهو، كعادته، توظيفها كما لو أنها كانت نهجاً سائداً، وليس كما هو الحال شططاً مداناً إسلامياً وعربياً.
من المستغرب كيف أن الرئيس أوباما، الذي كان مؤهلاً لإيجاد الحل العادل والمشروع لدولة فلسطينية مستقلة، تعمّد طمأنة نتنياهو، والقول له "إنك على حق"، عندما دان انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية. كذلك قوله إن فلسطين "ليست دولة"، لا تظهر وعياً بأن الاستئثار الأميركي بملف النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي ساهم في الإحباط الناجم حالياً، ويؤكد مقولة الرئيس أنور السادات إن "99 في المئة من الأوراق بيد الولايات المتحدة".
الآن، وقد خرجت القيادة الفلسطينية من سجن اللاحسم، لتعيد للشرعية الدولية فعاليتها في عملية السلام، فإن الشطط الأميركي ليس مجرد استثناء، بل إن مَن طالب بتجميد المستوطنات، في أول عهده، تغاضى، في المرحلة الأخيرة، عن قناعاته والتزاماته. ويا للأسف.