أوكرانيا: "ثورة برتقاليّة" بنسخة مكرّرة

29 يناير 2014
+ الخط -
"أستطيع النظر في أعين كل المواطنين من دون خوف. وأهم شيء اليوم هو الحفاظ على وحدة أوكرانيا وعدم تقسيمها، وهذا أهم من الطموحات الشخصية، ولذلك اتخذت هذا القرار". بهذه الكلمات علّل رئيس الحكومة الأوكرانيّة ميكولا آذاروف، الموالي لموسكو، قرار استقالته يوم أمس. حصل ذلك على خلفيّة الاضطرابات الأمنيّة الواسعة التي تعيشها الجمهوريّة السوفياتيّة السابقة ذات الستة والأربعين مليون نسمة. كانت حركة الاحتجاجات التي نظمتها المعارضة  قد اندلعت شرارتها أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، إثر إعلان الحكومة تعليق إعداد اتفاقية للشراكة مع الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي فسّرته المعارضة على أنه تمهيد لعودة البلاد إلى الحضن الروسي.

أودت الاحتجاجات حتى اليوم بحياة خسمة محتجين كان سيرهي نيهويان أوّلهم، وهو من سكان الأقاليم الشرقيّة المتاخمة للحدود مع روسيا، الموالية لها وللرئيس فيكتور يانوكوفيتش، والمتحدّثة باللغة الروسيّة. تحوّل الشاب إلى رمز، إذ وُضعت صورته على أبواب الخيم التي نصبها المحتجون في ميدان الاستقلال في العاصمة كييف.

عقد كامل يفصل بين "الثّوة البرتقاليّة" التي شهدها ميدان الاستقلال، أو ما بات يُعرف بـ"يورو ميدان"، في العاصمة الأوكرانيّة كييف، وبين عودة المحتجين إليه. المطلب واحد: إدارة الظهر لروسيا والتوجه غرباً نحو الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي تترجمه المعارضة الأوكرانيّة اليوم بمطالب سياسيّة يأتي طلب إجراء انتخابات رئاسيّة مبكّرة في مقدّمها، وهو ما كرّرته كرد فعل على استقالة الحكومة يوم أمس، ورفضها عرض يانوكوفيتش لها بتشكيل حكومة. يتكرر المشهد، إذاً، بتفاصيل أخرى وسط دعوات إلى مواصلة الاعتصام والتظاهر، وقسوة السلطات في فض المسيرات، الأمر الذي قوبل بتنديد الولايات المتحدة. أما أوروبا فقالت إنها "غاضبة وتراقب وتدعو إلى عدم ضرب المعتصمين" في مقابل رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأي تدخّل خارجي في الأزمة الأوكرانيّة، وحديث رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي، أليكسي بوشكوف، عن "مؤامرة أوروبية بدأت معالمها تتضح وهدفها إطاحة يانوكوفيتش وتنصيب رئيس بديل يوقّع الاندماج مع أوروبا".

كان المحتجون قد هاجموا عدداً من المباني الحكوميّة ونجحوا في السيطرة على بعضها في عدد من الأقاليم الـ25 التي تتشكل منها البلاد، القسم الأكبر منها في الغرب، حيث لا يحظى الرئيس بشعبية كبيرة. وقد امتدّت الحركة إلى بعض الأقاليم الشرقيّة مثل لوهانسك ودينيبروبيتروفيسك، الأمر الذي وضع الحكومة الموالية لموسكو في موقف حرج أجبرها على تقديم استقالتها ليعرض الرئيس يانوكوفيتش على المعارضة تشكيل حكومة جديدة، وهو ما رفضه قادة المعارضة الثلاثة الأبرز: أرسيني ياتسينيوك، وأوليغ تيانيبوك، وفيتالي كليتشكو (بطل العالم السابق في الملاكمة).

أمّا يوليا تيموشينكو، رئيسة الوزراء السابقة الملقبة بـ"جان دارك الثوّرة البرتقاليّة"، والتي سجنت بسبب قضايا فساد تتعلّق بإبرامها اتفاقات اقتصادية مع روسيا، واتضح لاحقاً أنّها تضرّ باقتصاد البلاد، فقد دعت من سجنها إلى "الوقوف في وجه الديكتاتورية والتعبئة وسط كييف".

نجحت المعارضة حتى اليوم في إجبار البرلمان على التراجع عن مجموعة من القوانين التي أقرّها والمتعلّقة بمنع التظاهر والاحتجاج. في المقابل، تمضي المعارضة المدعومة من الغرب في مشروعها، الأمر الذي يعني أن الأزمة لن تشهد انفراجاً سريعاً. والسبب في هذا التشاؤم أنّ روسيا نجحت، خلال السنوات الماضية، في إعادة مظلتها على عدد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، وفي مقدّمها روسيا البيضاء وأرمينيا التي أعلنت انضمامها للاتحاد الجمركي الروسي في مواجهة الغرب القلِق من تصاعد الضغط الروسي على جورجيا ومولدافيا اللتين وقّعتا على اتفاق شراكة أوّلي مع الاتحاد الأوروبي.

يبدو أنّ عوامل القوّة الاستراتيجيّة لأوكرانيا والمتمثلة بغناها بالثروات الباطنية، بالإضافة إلى كونها الممر الروسي إلى أوروبا لتمرير الغاز وإشرافها على البحر الأسود، ستشكّل عوامل لإضعافها في ضوء لعبة شدّ الحبال التي تجري منذ العام 2004 بين روسيا من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.

المساهمون