أوباما يعارض تعديل الدستور

01 أكتوبر 2015

أوباما في الأمم المتحة: لا لتعديل الدساتير(28 سبتمبر/2015/Getty)

+ الخط -
تناول الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 28 سبتمبر/أيلول الماضي، موضوعات عديدة، بدءاً من الإشارة إلى القيم الرفيعة التى تمثلها الأمم المتحدة، مروراً على كل القضايا المثارة على الساحة الدولية، خصوصاً قضايا الشرق الأوسط، وهو ما يعنينا. ولم يفت أوباما أن يذكّرنا، في كلمته، بأنه يتحدث باعتباره رئيس أكبر وأقوى دولة في العالم، ما يفرض عليه الاهتمام بكل العالم وقضاياه. تحدث تحديداً عن العراق وسورية وليبيا وأوكرانيا وإيران وروسيا، وجاء على كوبا أيضاً. وأكد على أن لا القوة العسكرية وحدها، ولا المقاطعة والحصار والعقوبات، كافية لحل المشكلات، على الرغم من أن تلك كانت، ولا زالت، أهم الوسائل التي تستخدمها الولايات المتحدة في تعاملها مع الدول المارقة. تحدث أوباما باعتباره مبعوث العناية الإلهية، والمتحدث باسم القوة الأكبر والأعظم على هذا الكوكب، وربما في الكون كله، ويحمل رسالة حب وسلام، من يقبلها ستكتب له النجاة، وعلى من يتجاهلها انتظار بئس المصير. وحرص أوباما في كلمته على تأكيد أنه ينصح، ولا يهدد. ولتأكيد تلك الفكرة، أعلن أن أميركا على استعداد للتعاون مع روسيا وإيران، للوصول الى حل للمشكلة السورية، عبر مرحلة انتقالية من دون الأسد، ولم يذكر أي طرف عربي، وكأن سورية ليست دولة عربية. تحدث أوباما، بلغة هادئة، وبثبات وثقة، بشكل يليق برئيس أكبر وأعظم دولة في العالم، تحدث عن قضايا محددة، يرى أنها تمثل التهديد الرئيسي للأمن والسلم العالمي، وتتعلق بحرية الشعوب وكرامتها. وبالتالي، هي التي تستحق اهتمام أميركا، لكنه تجاهل، تماماً، قضايا تتعلق بإهدار كل قيم الحرية والكرامة الإنسانية، قضايا انتهاك الأرض والعرض التى تقع أمام العالم كله في الأراضي الفلسطينية، لسبب واحد، أن الطرف المعتدي هو العدو الإسرائيلي.
قد يقول بعضهم، ولماذا اللوم على أوباما، وهو الرئيس الأميركي، وهناك من قادة العرب، من تحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي المنتديات الإعلامية، ولم يمر على ذكر القضية الفلسطينية إلا مرور الكرام. ولم يُشر، من بعيد أو قريب، إلى جرائم الاحتلال الإسرائيلي، بل هناك دعوات إلى العيش المشترك وحسن الجوار، وتوسيع مجالات السلام والتعاون مع الجار الإسرائيلي "الطيب". وكأن ما يتعرض له الفلسطينيون من فعل قوى كونية مجهولة، وليس من فعل كيان صهيوني عنصري، والأهم إرهابي بجدارة، يُدعى إسرائيل، والتى أصبحت الإشارة إليها صراحة محظورة. هذا بالطبع عدا استثناءات معدودة. ولسنا، هنا، بصدد تقييم مواقف الرؤساء والملوك والأمراء، فكلها واضحة ومعلنة فى كلماتهم وأحاديثهم.
عودةً إلى دعوة أوباما إلى عدم تعديل الدساتير، بما يسمح بتمديد الدورات الرئاسية للرؤساء،
 وإعلانه معارضته تعديل أي دستور، حيث لا يصبّ ذلك في صالح الشعوب، بل في صالح أولئك الرؤساء، وتشبثهم بكراسي الحكم والسلطة. وقد دلل أوباما على صواب دعوته بأن تمسك الرؤساء الأميركيين العظام بالديموقراطية، وتداول السلطة، وراء عظمة أميركا، وجعلها الأقوى والأعظم فى العالم. ولم تفته الإشارة العابرة إلى زعيم جنوب إفريقيا الراحل، نيلسون مانديلا، وديمقراطيته. هكذا يكون أوباما في مقدمة المعارضين لتعديل الدستور، أي دستور في أي بلد، فيما يتعلق فقط بتحديد عدد دورات الرئاسة، أي أن على كل من يجلسون على سدة الحكم والسلطة أن يُعدوا أنفسهم لترك السلطة في موعد محدد.
هل كان ذلك مجرد رأي، أو وجهة نظر، للرئيس الأميركي، أم إنها نصيحة، ربما تكون شبه ملزمة، لمن يهمه الأمر من الرؤساء والزعماء الذين وضعوا دساتير تُحدد مدد الرئاسة، وتُقيد مرات شغل المنصب بما لا يتجاوز دورتين، وما أن استقرت لهم أمور الحكم، حتى أوعزوا إلى بطانتهم بالدعوة إلى تعديل الدستور لزيادة مدة الرئاسة، وإطلاق عدد الدورات الرئاسية.
وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، في كلمته الافتتاحية لدورة الجمعية العامة، عرضاً، إلى الموضوع نفسه، الخاص باتجاه بعض الرؤساء إلى تعديل دساتير بلادهم، بما يسمح لهم بالاستمرار في السلطة بلا حدود زمنية، وانتقد ذلك.
هل كان حديث أوباما عن اعتراضه على إجراء أي تعديل دستوري يسمح بإطلاق مدد الرئاسة رسالة ضمنية إلى من يهمه الأمر، ممن دعمتهم الولايات المتحدة الأميركية، لتغيير نظم الحكم وتولي السلطة في بلادهم، وفحوى الرسالة أن أميركا تقول لهم "... إذا كنا دعمناكم للتخلص من قوى معينة، لم نكن نرغب توليها الحكم خشية أن تسعى إلى تنفيذ مشروعها الذي يتناقض مع أهدافنا في المنطقة، فليس معنى ذلك أننا سنقبل تحولكم إلى طغاة جدد، تقيمون نظماً ديكتاتورية، شمولية، تهدد مصالحنا بشكل آخر..".
هي رسالة واضحة، على كل من يهمه الأمر أن يستوعبها جيداً، فرئيس أقوى دولة يقول، بوضوح، من على أهم منبر دولي، وفى مواجهة من يعنيهم من الرؤساء، إن عليهم أن لا يفكروا في تعديل دساتير بلادهم، بما يسمح لهم بالاستمرار على كراسي الحكم والسلطة، بلا قيود زمنية، وهو ما كان شائعاً في دساتير دول ما يعرف بالربيع العربي، حيث عاشت شعوب الشرق الأوسط تحت طغيان (وتسلط) حكام استأثروا بالسلطة عشرات السنين، تساندهم طغم عسكرية وأيديولوجية، وجماعات مصالح فاسدة. ولا يجب أن يتصور أحد أن الولايات المتحدة ستكون راعية للشعوب المغلوبة على أمرها، ولا هي فاعلة خير، تسعى إلى نشر الديمقراطية، وإعلاء قيم الحق والعدل والحرية والكرامة الإنسانية. نعم، لا يجب أن يعتقد أحد ذلك، لأن الرئيس أوباما، وهو يُحذر رؤساء آخر الزمان، من سعيهم إلى إعادة سير من سبقوهم في إقامة النظم السلطوية المستدامة، يعني تحقيق المصالح الأميركية التى فشلت تلك النظم، والتي سقط معظمها في تحقيقها، وكان لابد من التخلص منها، وهو ما جرى بشكل مأساوي، دفعت فيه الشعوب ثمناً باهظاً. ومع ذلك، لم تسمح أميركا لتلك الشعوب أن تختار بإرادتها الحرة، عندما تعارضت مصالحها مع اختيارات الشعوب.
تريد أميركا نظماً سياسية في بلدان الشرق الأوسط، تتوافق مع النظام العالمي الجديد الذي تحكمه قواعد السوق العالمي الذي تديره أميركا أيضاً، من خلال شركات عملاقة عابرة للقارات. هذه النظم يجب أن لا تكون أيديولوجية بأي حال. وبالطبع، لا تحمل أي مرجعيات دينية أو عقائدية، كما أن تلك النظم يجب أن تكون خالية من الحكام أشباه الآلهة، ممن يحملون ألقاباً على شاكلة الزعيم الخالد والرئيس القائد والمبعوث الملهم والمهيب الركن، بطل كل الحروب، حتى لو كانت ضد عدو افتراضي أو محتمل، أو مصنوع. تريد أميركا نظم حكم وظيفية، نفعية، تتميز بالسيولة، والمرونة، والديناميكية. نظم حكم بلا حكام. ولكن، يديرها مجرد رؤساء مجالس إدارات ومديرون متغيرون.
كانت رسالة أوباما واضحة، ولسان حاله يقول: اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد، وعلى الشعوب أن تنتظر وتراقب.

2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.