أوباما يتوّج انتصاراته الخارجية... وخيارات الجمهوريين ضيقة

15 يوليو 2015
أوباما أثناء خطابه بعد انتهاء المفاوضات (Getty)
+ الخط -

لم يكن الاتفاق مع إيران مجرّد "إنجاز سياسي عابر" لإدارة أميركية، بل نجاحاً شخصيّاً تاريخيّاً كبيراً للرئيس باراك أوباما، سوف يُحسب له أو عليه، وفقاً للنتائج المترتّبة على الاتفاق. وإلى جانب إعادة أوباما للعلاقات الأميركية مع كوبا أخيراً، جاء الاتفاق مع إيران في نهاية عهده (تنتهي ولاية أوباما الثانية والأخيرة في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016)، بمثابة "قوة إضافية" له. ولهذا فإن ما يُمكن اعتباره "إنجازاً تاريخياً" يُمكن أن يضيع أثره إذا ما انتُخب رئيس جمهوري، قد يسعى للهروب من الالتزام بشروط الاتفاق.

يرى المحلل السياسي الأميركي، ديفيد سانجر، أن "نتائج الاتفاق مع إيران لا يُمكن أن يتلمّسها أوباما فيما تبقّى من عهده في السلطة، بل يحتاج ظهور النتائج والحكم على الاتفاق، إلى سنين، مثلما كان الحال عليه مع الصين، الذي فتح باب التواصل معها الرئيس الأسبق، ريتشارد نيكسون، عبر استراتيجية "لعبة البينغ بونغ"، التي دشّنها وزير خارجيته في حينها، هنري كيسنجر. استلزم تطوير العلاقات بين بكين وواشنطن أكثر من 40 عاماً لتصل إلى ما وصلت إليه في الوقت الحالي.

وتشير تعليقات محللين سياسيين أميركيين آخرين، إلى أن "الجمهوريين وان كانوا عاجزين حالياً عن إحباط ما يعتبره أوباما إنجازاً تاريخياً له، فإن معارضة إسرائيل المعلنة للاتفاق تُشكّل خطراً كبيراً على أوباما". ويعتقد بعض الناس أنه في الوقت الذي طغى فيه الموقف الإسرائيلي المعارض للاتفاق، والمنفرد، من بين دول العالم، فإن هناك من يرى أن الطريق الوحيد أمام إسرائيل لإفشال ما تعتقد أنه "اتفاق سيء"، هو "التحرّش بإيران بشكل أو بآخر، بما قد يُفضي إلى اشعال حرب في المنطقة، يتمّ جر الولايات المتحدة إليها رغماً عن ارادتها". وفي الوقت الذي التقت فيه مصالح بعض القوى الإيرانية المعارضة للاتفاق مع المصالح الإسرائيلية، الساعية لإفشاله، فمن المستبعد أن تعمل القوى الإيرانية على مساعدة إسرائيل ومساعدة نفسها على إفشال الاتفاق، حفاظاً على مكاسبها التي يؤمّنها لها بقاء الحصار على المواطنين الإيرانيين.

اقرأ أيضاً: اتفاق نووي "تاريخي" بين إيران والغرب .. والسعودية تنتقد

وتعتقد إسرائيل أن "إيران ستحصل بموجب الاتفاق على جائزة كبرى، بقيمة مئات المليارات من الدولارات قد تمكنها من متابعة عدوانها وإرهابها في المنطقة وفي العالم". ووصفت إسرائيل الاتفاق بأنه "خطأ سيئ له أبعاد تاريخية". ومهما كانت عليه قوة المعارضة الإسرائيلية للاتفاق إلا أنه يُمكن اعتباره بمثابة "نقطة تحوّل تاريخية" في علاقات طهران بالدول الغربية، وبالولايات المتحدة على وجه الخصوص منذ اندلاع الثورة الإيرانية الإسلامية في عام 1979.

لكن ما يضمن متانة الموقف الأميركي هو أن قرار إنجاح الاتفاق مع إيران، لا يبدو أنه مجرّد قرار سياسي تكتيكي، بل خطوة استراتيجية كبيرة تدعمها الأجهزة والمؤسسات المؤثرة في صنع القرار. ورغم أن موقع الرئيس الأميركي يتيح له التأثير على الأجهزة والمؤسسات الأميركية الخاضعة لسيطرة إدارته، إلا أن خضوع الإدارة والرئيس لهذه الأجهزة وتأثرهما بها وبتقاريرها وتوجهات محلليها، أمر مؤثر على خيارات وسياسات أوباما.

ويتضمن الاتفاق الجديد قيوداً على تخصيب إيران لليورانيوم لمدة عشر سنوات فقط، مع ذلك يعتبره أوباما "اتفاقاً تاريخياً وشبيهاً باتفاقات الحدّ من الأسلحة النووية"، التي عقدها رؤساء أميركيون سابقون مع الاتحاد السوفييتي، والتي جعلت "العالم أكثر أماناً" أثناء الحرب الباردة (1947 ـ 1991).

وطبقاً لتصريحات أوباما وكبار مساعديه، إلى جانب تعليقات المراقبين المستقلّين والمعارضين الأميركيين للاتفاق على حدّ سواء، يُمكن القول إن "خطورة الاتفاق لا تكمن في بنوده المكتوبة، بقدر ما تأتي من نتائجه غير المدوّنة في نصوصه، وهي تمكين إيران من أن تصبح قوة إقليمية في المنطقة، وإطلاق يدها لتوسيع نفوذها وشرعنة هذا النفوذ".

وعلى الرغم من مساعي أوباما وإدارته في الفصل بين العقوبات على إيران المتعلقة ببرنامجها النووي بالعقوبات الأخرى المتعلقة بـ"دعمها للإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان، وبرنامجها الصاروخي"، إلا أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة قائمة على اتخاذ إيران "شريكاً محلياً وقوة إقليمية ضاربة لمحاربة الإرهاب وكبح جماحه".

حتى لو لم يوافق الكونغرس على رفع العقوبات عن إيران، فلن تكون هناك أية جدوى من عقوبات أميركية منفردة، لقدرة إيران على تعويض تأثيرها بالتعامل مع دول صناعية أخرى. وفي الوقت الذي يستطيع فيه أوباما أن يفرض الاتفاق خلال ما تبقى له من زمن في فترة رئاسته، فإن أي رئيس آخر سيخلفه قد يقلب الأمر رأساً على عقب، وتعود مشاعر العداء مع إيران إلى ما كانت عليه في السابق. لكن هذا الأمر، في حال حصوله، سيكون بعد أن تكون طهران قد التقطت أنفاسها بتخفيف الحصار عليها.

اقرأ أيضاً: أوباما: الاتفاق فرصة لاتجاه جديد في العلاقات مع طهران

المساهمون