أظهر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، براعة سياسية لدى إبرامه صفقة داخلية أمّنت له، إلى حد كبير، نجاح صفقة خارجية. فقد أعلن أوباما موافقته المسبقة على مشروع قانون يمنح الكونغرس الأميركي كلمة قد لا تكون الأخيرة ولكنها قوية، قبل إقرار الاتفاق المحتمل مع إيران بشأن مشروعها النووي، المقرر إبرامه مطلع يوليو/ تموز المقبل.
وعلى عكس ما يطرحه بعض المراقبين، من أن الصفقة التي عقدها أوباما مع الكونغرس يمكن أن تقوّض الاتفاق أو تلغيه، فإن النقاشات بين الديمقراطيين في كواليس وردهات الكونغرس تشير إلى أن الصفقة تحفظ ماء الوجه للجمهوريين، وتقوي موقف أوباما خلال المفاوضات مع إيران لإجبارها على تقديم المزيد من التنازلات بحجة أن الكونغرس متشدد في موقفه. وفي الوقت ذاته، تحصّن الصفقة الاتفاق لاحقاً من أي انتقادات قد تأتي تحت مبرر أن الكونغرس لم يكن راضياً عنه.
أما على الصعيد العملي، فإن بعض الديمقراطيين أو المؤيدين لهم في تعليقاتهم على المفاوضات الديموقراطية ـ الجمهورية، يتندّرون على رفاقهم الجمهوريين بأنه لن يكون هناك أي اتفاق بين أميركا وإيران، بل سيكون الاتفاق بين إيران والمجتمع الدولي، وسوف يتم تعزيزه بقرار من مجلس الأمن، وبالتالي فإن الكونغرس ليس لديه أي نفوذ أو (فيتو) على مجلس الأمن وإن كان لديه نفوذ على البيت الأبيض.
ويدرك بعض الجمهوريين، الموالين لإسرائيل، انعدام قدرتهم عملياً على إلغاء، أو وقف إبرام، أي اتفاق لأنه سيكون اتفاقاً مباشراً بين إيران ومجموعة الدول الست في مجلس الأمن، ولن يكون عبارة عن معاهدة بين إيران والولايات المتحدة كي يحتاج إلى مصادقة الكونغرس. ولهذا فإن معارضتهم المسبقة للاتفاق تنم عن رغبة في تحسين شروطه لا عن سعي جدي إلى أجهاضه، وتحولت إلى معارضة إعلامية أكثر منها دستورية وقانونية. بل إن ما يقوم به بعض قيادات الكونغرس أصبح أقرب إلى ما تقوم به جماعات الضغط من الدور المفترض الذي يفترض أن تؤديه المجالس التشريعية دون ضجيج.
ويجمع طرفا الصفقة، الجمهوريون والديمقراطيون، على أن صدور قانون من مجلس الشيوخ يعطي المشرّعين الأميركيين صوتاً قوياً، ويطلعهم على تفاصيل المفاوضات مع إيران، هو أمر مهم جداً للحيلولة دون التوصل لاتفاق سيئ، والعمل بدلاً من ذلك على تحسين شروطه.
ولا يمثّل تخلي أوباما عن معارضته لمشروع قانون يمنح الكونغرس حق إبداء الرأي في الاتفاق مع إيران، تراجعاً عن الاتفاق النووي أو مؤشراً على توقع أوباما لفشل المفاوضات، بل رغبة منه في تقليل حجم الانتقادات الجارفة لسير المفاوضات، وتحميل الكونغرس قدراً من المسؤولية.
اقرأ أيضاً: إيران: قرارات الكونغرس شأنٌ أميركي... وإلغاء الحظر أولويّة
وما يدل على صحة هذا التحليل، أن أوباما لم يوافق على مشروع القانون بشكله المطروح، بل أوعز للديمقراطيين في مجلس الشيوخ لإجراء تغييرات مهمة فيه، إذ أزيحت بعض الشروط التعجيزية، بأن يقر أوباما أن إيران لا تدعم الأعمال الإرهابية ضد الولايات المتحدة.
واستعاض القانون في صيغته الجديدة بإلزام البيت الأبيض أن يرسل للكونغرس تقارير منتظمة ومفصلة عن سلسلة من القضايا، بما في ذلك دعم إيران للإرهاب والصورايخ الباليستية والبرنامج النووي.
ونجح أوباما في استثمار رصيده السياسي لإبرام صفقة داخلية تؤمّن الصفقة الخارجية، وهدفه النهائي هو عدم ضياع ما استثمره دولياً من أجل تأمين اتفاق دولي يضمن حرمان إيران من تطوير أسلحة نووية، مقابل إنهاء العقوبات عليها.
ويدرك الجمهوريون والديمقراطيون أن رفع العقوبات الدولية عن إيران سوف يكون انتصاراً كبيراً لها، ولذلك فإن نجاح الكونغرس لاحقاً في إعادة فرض عقوبات أميركية لا يعني عودة العقوبات، وسوف يكون بمقدور إيران الاكتفاء بفك الحصار الدولي عنها، ضاربة بعرض الحائط أي عقوبات أميركية منفردة لن تكون بمستوى تأثير العقوبات الجماعية.
وكانت العقوبات الدولية قد أضرّت بالاقتصاد الإيراني، وجعلت أوباما يجادل قيادات الكونغرس بأن هذه العقوبات هي التي دفعت طهران إلى طاولة المفاوضات.
ويردد أنصار تل أبيب في الكونغرس أن الاتفاق بين أوباما والجمهوريين، سيكون عاملاً إضافياً للضغط على طهران، ومانعاً قوياً لتضمين الاتفاق أي مواد سيئة، كما يرون أن الصفقة بين الديمقراطيين والجمهوريين سوف تجبر الإدارة على بذل جهود قوية للتوصل إلى اتفاق خال من الثغرات، ويقلل المخاوف بدلاً من أن يزيدها.
اقرأ أيضاً: "إس 300" لإيران: روسيا تطمئن إسرائيل... والأنظار على السعودية
والأهم من ذلك، أن إعطاء الكونغرس رأياً في الاتفاق سوف يضمن ديمومته، لأن الجمهوريين وإن كان لديهم رغبة في الانقلاب على قرارات إدارة أوباما، إلا أنه ليس من المعقول أن ينقلبوا على أي قرارات شاركوا في صنعها أو قبلوا بها مسبقاً.
وكانت واشنطن قد اختلفت مع تل أبيب بشأن سير المفاوضات مع إيران، إذ تخشى إسرائيل وحلفاؤها في الكونغرس ألا يكون الاتفاق قوياً بما يكفي لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية.
ويقول المناوئون للاتفاق في واشنطن، إن الخطوط الأولية التي تم التوصل إليها في لوزان جرى الإعلان عنها في ثلاث نسخ متناقضة، الأولى باللغة الانجليزية على هيئة بيان حقائق من البيت الأبيض تضمّن بنوداً مناقضة لتلك الخطوط من أجل تظليل الرأي العام الأميركي، ونسخة أخرى باللغة الفارسية نشرت في طهران وتضمنت تظليلات للرأي العام الإيراني في حين أن النسخة الأصلية الرئيسية لم تنشر كاملة على الإطلاق.