أن تكون وحيدا

16 مارس 2018
+ الخط -
ما المكاسب المستقاة من كونك وحيد العائلة؟ بماذا ينفعك ذلك، وبماذا يضرك؟ هل يؤشر ذلك إلى أن طوق الدلال يزنّر عنقك ما حييت؟ هل يمثّل الثواب الثلث المعطّل للعقاب، فتقترف الأخطاء، وتتلذذ بالهفوات بتلقائية مطلقة؟ وذلك لمعرفتك المسبقة بأن الخطأ سيمضي من دون محاسبة أو تأديب.
هي أسئلة متداخلة، لا يستطيع أحد صوغ أجوبتها إلا من عاشها واختبرها. وعليه، سنكون أمام وقفات وفلاشات تعريفية للقب "وحيد العائلة"، نابعة من تجارب شخصية وخاصة.
إذا، من هو وحيد العائلة؟ ببساطة واقتضاب، هو الشخص الذي يولد في أسرة، ويكون ممثل جنسه الوحيد بين الأولاد، أي أن يكون صبيا بين أخواته الفتيات أو فتاة بين أخوتها الشباب، وفي بعض الأحيان يكون الوحيد من دون إخوة على الإطلاق.
عقب هذا التعريف، نأخذ في التعمّق أكثر في حياة وحيد العائلة من قناة تجربتي الشخصية، لكوني الصبي الوحيد لأبويّ، أشعر في كثير من الأحيان أنني بحاجة إلى أخ يساندني في مواقف كثيرة، ويشاركني لحظات حياتية خاصة، فنتعارك من أجل خزانة الملابس، نتسابق لقيادة السيارة، نرتّب المقالب المضحكة، نذهب إلى التسوّق، نشاهد فيلما معا، نسافر، نتجادل ونتصالح وغيرها من المشاعر والمشاعل العاطفية التي لا يتحسس قيمتها الفعلية إلا من يفتقدها. فبالنسبة إلي، وجود أخ أكبر أو أصغر مني كان ليسهّل عليّ ضروبا متنوعة من المصاعب التي يواجهها شاب في بداية انطلاقته. سيّما، وأنني واجهت غربة الأب في سن صغيرة، ما دفعني إلى تحمل مسؤولية أمور صغيرة، وبقدر ما هي بسيطة وشخصية، إلا أنها لربّما تكون أسهل لو كان لي أخا سندا.
"أنت صاحب الكلمة المفتاح في هذا البيت"، و"أنت الرجل القوّام" بعد سفر والدك، فعليك ما عليك من واجبات القوة والتحمّل، كل ذلك لفتى في العاشرة من عمره.
إذا، هي قصة مجتمع يتفرّغ لنظمِ بروتوكولات وقوانين من دون مراعاة "الأنا" الذاتية للشخص. وربطا بذلك، حين يعرف الناس أنك وحيد العائلة، يطلقون عناوين برّاقة لحياتك تبدأ "بالمدلّع وما حدا في عليه"، ولا تنتهي بـ "أهلو أكيد فاسدينو". يمكن لهذه الصفات أن توجد في شخصٍ من أصل عشرة، ولكن ليست قاعدة مبرمة غير قابلة للطعن، فأنا مثلا، وعلى الرغم من أنني تربيت وحيدا، لكنني كنت أخضع لسلطة أمي وأبي، و"أسمع الكلمة"، ولم أذكر في حياتي أن إدارة المدرسة (مثلا) أرسلت أخبارا إلى أولياء أمري تذكر فيها إنني "قللت تهذيب"، أو تعرّضت بالإساءة لزميل أو معلّم، علما أنني كبرت ولم يكن والدي دائما موجود بداعي السفر، مما كان له أن يسهّل عليّ أن أخطأ.
من هنا اسمحوا لي أن أوضح أن صفات الوحيد (فتاة أو صبي) تعود إلى نشأته وتربيته، أي ترتبط عضويا بشريان وعي الأهل وإدراكهم، وليس بقرار شخصي.
لم تحضر كلماتي هنا لتفرّخ مقارنات فذّة بين حياة الوحيد والحياة الأخرى، لا بل كان الهدف إظهار حميمية وأهمية وجود أخ، على المستوى الشخصي، من لحمي ودمي. أخ لا يتغير ولا يستحيل الدم الذي يجمعني وإياه ماء، مهما كبرت الخلافات إن وجدت، إذ صحيح أنّ هنالك أصدقاء يكونون أعز من أخ لكن لا أحد كالأخ، فالأصدقاء يتشاجرون ويتنازعون على أقل وأصغر تفصيل، من شأنه أن يطلق رصاصة قاضية على صحبتهم فيمسون أعداء ويفترقون من غير رجعة.
A316885A-7868-45DD-8FB2-2B2874BA058F
A316885A-7868-45DD-8FB2-2B2874BA058F
محمد رشاد الحلبي
كاتب من لبنان.
محمد رشاد الحلبي