أنيس قاسم لـ"العربي الجديد": "البلدوزر السعودي" خطر داهم على فلسطين

17 يناير 2018
يجب أن يتوقّف الخداع باعتبار أميركا وسيطاً نزيهاً(العربي الجديد)
+ الخط -
يعتقد خبير القانون الدولي، أنيس فوزي قاسم، أن الفرصة لا تزال قائمة أمام الفلسطينيين لنزع الشرعية عن دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنه يقول إن هذا التوجه يحتاج إلى وقوف القيادة الفلسطينية في وجه ما يصفه بـ"البلدوزر السعودي"، الساعي لحرف الأنظار عن القضية الفلسطينية لصالح تضخيم الخطر الإيراني.

وينظر قاسم، في حوار خاص مع "العربي الجديد"، إلى المبادرة العربية التي طرحتها السعودية في العام 2002 وجرى تبنيها من الجامعة العربية، على أنها "لا تتعدى محاولة لتبرئة نفسها من تهم الإرهاب عقب هجمات سبتمبر/ أيلول 2001، فيما شقها الثاني يجري تطبيقه حالياً".

 

نص الحوار:

 

  • فرض اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة إسرائيلية، واقعاً جديداً وضاغطاً، ما هي فرص مواجهته في ظل الوضع العربي الراهن؟

نحن الآن نواجه تغيراً جذرياً في الاستراتيجية الدولية ككل، وهذا يستتبع بالضرورة تغيّراً جذرياً في الاستراتيجية الفلسطينية طبقاً للمتغيرات التي نشاهدها في الإقليم.

تتسيّد السعودية الآن المسرح السياسي الإقليمي بلا منازع، ولا تطرح من موقعها سوى أن إيران هي الخطر الأكبر علينا، وتعمل على حشد العالم العربي ضد هذا الخطر، وبالنتيجة يصبح الخطر الإسرائيلي خطراً ثانوياً، أو أقل من ذلك، ويدلل على ذلك إعلان وزير الخارجية البحريني​ ​خالد بن أحمد آل خليفة​ أن "القدس قضية جانبية"، وهكذا فإن المسرح الذي تقوده السعودية يتجاهل جميع الهموم العربية القائمة، فلا تنمية ولا تصنيع ولا دفاع ولا بناء قوة ذاتية، فقط مواجهة الخطر الإيراني. من هنا تبدأ المعادلات بالتغيّر، خصوصاً أنّ السعودية تقود كتلة عربية وازنة، ولا أستغرب أن تكون من بينها القيادة الفلسطينية.

 

  • هل تعني أن السعودية تسعى لفرض إملاءات على القيادة الفلسطينية لثنيها عن مواجهة القرار الأميركي؟

بدون إملاءات، القيادة الفلسطينية من طينة النظام العربي نفسه. القيادة الفلسطينية الحالية هي التي فاوضت في أوسلو، وهي لا تؤمن بشعبها وقضيتها، هي تؤمن بمصالح خاصة.

  •  أمام هذا الواقع الذي تحدثت عنه، هل يخسر الفلسطينيون فرصة تدويل قضيتهم، وبالتالي استمرار الإضرار بمستقبلها؟


أعتقد أنّ على الفلسطينيين ألّا ينشغلوا حالياً بالمسرح الدولي، بقدر الخطر الداهم والآني، والمتمثّل بـ"البلدوزر السعودي". على القوى الوطنية الفلسطينية أن تعيد ترتيب أوضاعها وقواها الذاتية، وبدون ذلك سيكتسحها البلدوزر، وحتى لو ذهب الفلسطينيون لتدويل القضية في ظلّ هذه المعطيات والوضع الحالي، فإن العالم لن يصغي.

الأولوية اليوم هي إعادة ترتيب البيت الفلسطيني عبر انتخاب مجلس وطني جديد على أسس ديمقراطية، وإفراز لجنة تنفيذية جديدة لتضع مشروعاً وطنياً جديداً. بدون ذلك لن يتغيّر شيء. القيادات الفلسطينية الحالية هي قيادات أوسلو، وأقول: ليت (وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس) بلفور من فاوض في أوسلو، لأنه على استعماريته واستكباره عندما صاغ إعلانه (وعد بلفور)، نصّ فيه على حماية الحقوق المدنية والدينية للجاليات غير اليهودية، والمفاوض الفلسطيني عندما تصدّى لقضيته نسي حتى ذلك النص.

  • تابعت قرارات المجلس المركزي، كيف تنظر إليها، وما هي فرص تطبيقها على أرض الواقع؟

ما صدر عن المجلس المركزي يمثّل من جانب تطوراً إيجابياً، إذ إنها المرة الأولى التي يقرر فيها المجلس، وبدون وصي، كما جرت العادة في الاجتماعات الماضية. هو الآن يكلّف اللجنة التنفيذية بوضع آليات لتنفيذ التوصيات، ليصبح الرهان كيف ستنفّذ هذه اللجنة الأوامر الصادرة وما هي الآليات.

أمّا السلبي، فهو أنّ المجلس واصل في قراراته التمسّك بأوسلو. وبالتالي، فإن السلطة ستبقى مرهونة لاتفاق أوسلو بكل تبعاته. أمّا بخصوص سحب الاعتراف بإسرائيل إلى حين الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهذا أمر نظري لا قيمة قانونية له، ذلك أن الاعتراف عندما يصدر لا يمكن سحبه، فيما يمكن قطع العلاقات مع الجهة التي تمّ الاعتراف بها، لتكون بذلك القرارات بمجملها دون المستوى المطلوب، مع أهمية قرار وقف التنسيق الأمني لو جرى تنفيذه. مجرد عقد الاجتماع في رام الله دليل على تحكم إسرائيل في سقف القرارات، من خلال قدرتها على تحديد الجهات المشاركة عبر السماح لها بالوصول ومنع مشاركة كل من يمتلك خط مقاومة. لم نكن نتوقع أكثر من ذلك من القيادة الفلسطينية. 

  • تحدثت عمّا سمّيته "البلدوزر السعودي" وتأثيراته على المسرح الإقليمي والقضية الفلسطينية، لكن السعودية هي التي قدّمت مبادرة السلام في العام 2002، التي تتبناها الجامعة العربية؟

توجد سذاجة سياسية مطلقة لدى القيادات العربية، وأولها الفلسطينية. السذاجة مؤداها أنه يمكن التفاوض مع إسرائيل والوصول إلى تسويات سياسية، على غرار دول تحاربت وتصالحت في النهاية.

السذاجة تكمن في عدم الإدراك لماهية الاستعمار الصهيوني، هو ليس استعماراً تقليدياً، هو مشروع اقتلاعك من أرضك. لن تصل إلى سلام إلّا بعودتك، الإسرائيلي يدرك ذلك، والفلسطيني اللاجئ يدرك ذلك، لكن القيادات الفلسطينية والعربية لا تدرك خطر الاستعمار الصهيوني. ولذلك طرحوا المبادرة العربية، وهي ليست عربية أساساً، هي مبادرة صاغها الصحافي الصهيوني توماس فريدمان بناءً على طلب من الأمير السعودي عبد الله بن عبد العزيز آنذاك، الذي ألبسها عباءة وسمّاها المبادرة العربية.


هذه المبادرة كانت الثمن الذي سمسرت به السعودية لبيع القضية الفلسطينية مقابل وقف الهجمة الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وهي مبادرة بشقين: الأول أن توقف السعودية الهجوم عليها كوكر للإرهاب، والثاني هو ما يبشّر به الآن محمد بن سلمان، بنسيان فلسطين والتركيز على خطر إيران.

 

  • لكن سبقت المبادرة المطروحة في العام 2002، مبادرة طرحتها السعودية في العام 1981 قبل أن تسحبها؟

 سحبت تلك المبادرة لأنها مثّلت طرحاً جديداً، رفضته مصر، إضافة إلى أن سورية والعراق كانتا قويتين على الساحة، وكان الكفاح الفلسطيني في أوجه.

 

  •  ما قيمة التمسّك بمبادرة السلام العربية في ظلّ التطورات الأخيرة؟

النظام العربي نظام متهالك، ليس من اليوم، بل من مؤتمر أنشاص عام 1946، لم يتغيّر بيان أنشاص عن البيانات اللاحقة، هي تكرّر نفسها بطلب مساعدة الغرب، هذا يجعلنا لا نستغرب التمسك بالمبادرة العربية. لكن خذ أوسلو بدل المبادرة العربية، أوسلو عنوانها الاستسلام الفلسطيني ومع ذلك إسرائيل ترفضها، لأنه ليس في واردها التفاوض على أية تسوية. حتى ما يقوده بعض الأردنيين بمقاومة الوطن البديل عبث، أكرر شرق الأردن كوطن بديل ليس للأردنيين أو الفلسطينيين (بحسب العقيدة الصهيونية). هو جزء من المشروع الصهيوني، الذي يؤمن أن حدوده تشمل خطّ سكة حديد الحجاز.

 

  • بالعودة إلى السعودية ومخاوفها من الخطر الإيراني، والذي تقول إنه يأتي على حساب القضية الفلسطينية، أليست إيران تمثّل خطراً حقيقياً من حق السعودية مواجهته؟

إذا كانت السعودية جادة في ذلك، لمَ لا تجيب على تساؤلات عدة، مفادها: إذا كنت تشعرين بأن إيران خطر منذ ثورة آية الله الخميني، أي قبل نحو 40 سنة، ما هي الإجراءات التي اتخذتها؟ ما الذي قمت به من إجراءات قوة سعودية وعربية؟ ما هي الخطوات العملية التي اتخذتها لتقوية الجبهة العربية في مواجهة إيران؟ لماذا يفوز ترامب بنصف تريليون دولار في ليلة واحدة، فيما لم تصرف السعودية في 40 سنة واحداً على 100 من ذلك المبلغ لمواجهة إيران؟


وأيضاً، الأمير تركي الفيصل أعلن أن العلاقات بين السعودية وإسرائيل تعود إلى السبعينيات، قبل ثورة الخميني، معنى ذلك أن التعاون السعودي الإسرائيلي قديم وليس له علاقة بثورة إيران والشيعية. الحملة ضد إيران تشبه الحملة الغربية السعودية ضد الاتحاد السوفييتي، أنا كفلسطيني عشت على الخطوط الأمامية، لم أكن أشاهد جنوداً سوفييت على الحدود يهاجموننا، الجنود الصهاينة هم من هاجمونا، لقد استوردنا خطراً لا نشعر به.

 

  • أمام واقع الاعتراف الأميركي، والحديث عن تأييد عربي، ما موقف القانون الدولي من ذلك؟

في معايير القانون الدولي، هو توطيد للاحتلال. في القانون الدولي يوجد مبدأ اسمه التعاون على ارتكاب عمل غير مشروع، العمل غير المشروع هو الاحتلال الذي ارتكبته إسرائيل، وقيام أميركا بشرعنة الاحتلال تصبح شريكاً في الاحتلال. على القيادة الفلسطينية التي ستتولى العمل بعد ترتيب البيت الفلسطيني، تصنيف أميركا شريكاً في العدوان وليس في السلام. يجب أن يتوقّف الخداع الذاتي باعتبار أميركا وسيطاً نزيهاً، هم لا يستطيعون ذلك منذ عهد الرئيس الأميركي وودرو ويلسون الذي عين لجنة (كينغ-كراين) في العام 1919 للوقوف على آراء أبناء سورية وفلسطين بمستقبل بلادهم، وخلصت إلى رفضهم فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ومع ذلك لم تأخذ أميركا قراراً في صالح الفلسطينيين.

 

 لكن يجري لوم الرئيس دونالد ترامب وتحميله المسؤولية؟  

يقولون ترامب مجنون، حتى لو صحّ ذلك، إلّا أنه يعبّر عن الوجه الحقيقي للسياسة الأميركية تجاهنا، هو عنصري، لكنه يعبر عن السياسية الأميركية العنصرية.

 

  • رغم كل ذلك، ما زال الفلسطينيون يحصدون قرارات دولية تؤكد الحق الفلسطيني، كيف يمكن البناء على ذلك؟

لم تصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي قرارات تتناقض مع الحقوق الفلسطينية، لو وجدت لدينا قيادة فلسطينية واعية ورشيدة، لاستطاعت أن تحقّق الكثير عبر استخدام هيئة الأمم كأداة لتجريم إسرائيل، وإعلانها دولة غير محبة للسلام، هذا ليس كلاماً نظرياً، هو كلام عملي ويمكن تطبيقه، لكن سياسة الرئيس محمود عباس تلتزم بعدم نزع الشرعية عن إسرائيل، فيما لا تمنحه إسرائيل أي جزء من الشرعية.


في العام 1982، حصل الفلسطينيون على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يعتبر إسرائيل دولة غير محبة للسلام، وتأكّد القرار في العام 1984. كان من المفترض الاستمرار في العملية لنزع وصف دولة محبة للسلام عن إسرائيل، والذي يمثّل العنصر الرئيسي لشرط قبول الدول في الأمم المتحدة.

 

-       هل ما تزال الفرصة سانحة إلى الآن للقيام بالأمر؟

ما تزال الفرصة سانحة، يوجد أكثر من 100 قرار على عدم شرعية الاستيطان والإجراءات الإسرائيلية في القدس، لم يتبقَ حقّ فلسطيني إلّا وصدر قرار يؤيده، المطلوب فقط أن نطالب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتطبيق الميثاق، تكفينا الجمعية العامة من دون الحاجة لمجلس الأمن، وحشد الأغلبية أمر ممكن. لكن الخطير والمعضلة التي تمنع هذا التوجه، أن القيادة الفلسطينية في وضع تواطؤ مع "البلدوزر السعودي"، أو عجز عن الانسلاخ عن المسار.

من هو أنيس فوزي قاسم.
  • ولد أنيس فوزي القاسم في قلقيلية عام 1939، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في القانون من جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة، وهو محامٍ بالممارسة منذ العام 1973.
  • حصل على إجازته في ممارسة القانون في فيلادلفيا في الولايات المتحدة الأميركية. عمل في الكويت مستشاراً قانونياً للبنك الصناعي حتى العام 1977، وشريكاً في مؤسسة "الصالح جراهام وجيمز للمحاماة" حتى العام 1990. ومنذ العام 1993، يمارس مهنة المحاماة في الأردن.
  • عمل قنصلاً قانونياً للوفد الفلسطيني المفاوض في مدريد وواشنطن بين الأعوام (1991 – 1993). كما عمل بين الأعوام (1981 – 1984) قاضياً في المحكمة الإدارية التابعة للجامعة العربية.
  • كان عضواً في فريق محامي الدفاع الفلسطينيين أمام محكمة العدل الدولية في قضية جدار الفصل العنصري.
  • رئيس المؤتمر الشعبي العام لفلسطينيي الخارج الذي عقد في اسطنبول العام الماضي.
  • أسس وأنشأ كتاب فلسطين السنوي للقانون الدولي، وعمل كرئيس لتحريره منذ العام (1984 – 1999)، وأصبح محرراً مستشاراً للكتاب السنوي منذ العام 2000 وحتى اليوم.