أنقذوها قبل فوات الأوان

23 يوليو 2015
أنقذوها قبل فوات الأوان (فرانس برس)
+ الخط -
هذا هو حال الدولة المصرية منذ الانقلاب الغاشم في الثالث من يوليو/تموز عام 2013 من فشل إلى فشل أكبر ومن دماء إلى دماء أعظم من السيسي وعدلي منصور والببلاوي إلى السيسي ومحلب، من مجازر ومحارق إلى اغتيالات وإعدامات، من كراهية وعداوات إلى تهديدات وانقسامات، من وعود وإنجازات إلى أكاذيب وتبريرات، من تنمية ومشروعات إلى تراجع وإخفاقات، من حقوق وحريات إلى معتقلات وانتهاكات، من دولة ومؤسسات إلى مليشيات وعصابات..


تراجع على جميع المستويات، الاقتصادي منها والسياسي والأمني والاجتماعي، وانحدار غير مسبوق على مستوى منظومة القيم والأخلاق وتفشي حالة من الانحطاط الفاضح لا يمكن تصورها... هذا هو حال مصر منذ الانقلاب، علينا أن نعترف أولاً ثم علينا أن نواجه هذه الفاشية بكل السبل والطرق السلمية المتاحة دونما خوف أو تراجع أو انسحاب، إنها معركة فُرضت على المصريين وعليهم أن يخوضوها مهما كانت التكلفة والتضحيات.

المعركة الآن ليست معركة الثورة ومطالبها والقصاص لشهدائها، المعركة أصبحت أعمق وأخطر من ذلك بكثير، المعركة أصبحت معركة إنقاذ مصر أولاً من براثن "نيرون" العصر الذي يعمل طوال الوقت على إحراقها وكأنه مكلف بمهمة عليه إنجازها بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، ولأنه رجل عسكري ثقافته وأنماط حياته مبنية على مبدأ السمع والطاعة والتنفيذ، فهو لا يعرف المهادنة والتوازنات السياسية، ولا يؤمن بالرأي الآخر ولا يقبل المعارضة..

فهذا الرجل لا يغضب للدولة المصرية ولا يعنيه الشعب المصري، فهذا الرجل لا يغضب إلا لنفسه ولكبريائه الزائف وغروره الخادع فغطرسة القوة وغرور الانتصار عند الرجل يجعلانه لا يكترث بكم من الضحايا من المصريين يدفع ثمن غروره وصلفه..

فهو لا يعنيه كم قتل من الجنود في سيناء، بل يعنيه استمرار المعركة التي يستمد منها بقاءه ودعمه، وهو لا يعنيه قتل الضباط والقضاة بل يعنيه كم حكم إعدام سيصدر على معارضيه من الإخوان وغيرهم، وهو لا يعنيه قتل النائب العام بل كل ما يعنيه هو التعجيل بتنفيذ الإعدامات على قيادات جماعة الإخوان وغيرهم، من الذين ينتقدون حكمه ويرفضون استمراره..

هل سأل نفسه هذا الرجل كم من السنوات يحتاجها للقضاء على جماعة الإخوان؟ هل يستطيع القضاء على تيارات دينية سياسية تنتشر في جميع تفاصيل جغرافية الدولة؟ هل سأل نفسه كيف يحكم شعب تفككت بنيته الاجتماعية وضربه الانقسام من جراء سياسة الكراهية والعداء والتي اتخذها منهجاً منذ مجيئه وحتى الآن؟ وماذا عن المتوارين خلف الجمل الناقصة والكلمات الباهتة والتحليلات المضللة من نخب الفساد وأنصار الفاشية العسكرية؟!

أين دولة القانون التي صدعونا بها؟ أين دولة المؤسسات والتي منونا بها؟ وأين الديمقراطية وحقوق الإنسان اللتين لطالما تشدقوا بهما ودافعوا عنهما، طمعاً في سلطة أو كرسي في برلمان يحمون به أنفسهم وأعمالهم المشروعة وغير المشروعة؟ أين الإعلام المحايد النزيه والصحافة الحرة؟ وأين استقلال القضاء، وقد وقفت كبرى الهيئات القضائية "صفاً وانتباهاً" أمام قائد الانقلاب يتلقون الأوامر والتعليمات بسرعة إجراء تنفيذ أحكام الإعدام؟ وهل سأل نفسه الطاغية وقضاته أين كانت سرعة الإجراءات وإفراد دوائر خاصة في محاكمات المخلوع مبارك ورموز نظامه من القتلة والفاسدين؟

هؤلاء الآن شغلهم الشاغل هو التبرير وتصعيد نغمة الإرهاب وتعميمه والبحث عن أي نجاحات زائفة يحفظون بها ماء وجوههم ويستمدون منها بقاء الحكم فترة أطول، لأنهم يدركون تماماً أن بقاء السلطة يعني وجودهم واستمرارهم وسقوطها يعني نهايتهم ومحاسبتهم.

لكن علينا أن نعترف بأن هذا النظام لديه من مقومات الاستمرار ما يعطيه القدرة على البقاء فترة أطول، ومن أهم تلك المقومات، بعيداً عن الدعم الداخلي والخارجي، هو عدم وجود تنظيم حقيقي للثورة يعود بالثورة إلى مسارها الصحيح ويقود الجماهير ويلزمها ويكون الحاضنة للغاضبين.

ورغم ما يتمتع به النظام من مقومات استمرار، إلا أنه ليس لديه أي من مقومات النجاح، لأنه ما جازف بالانقلاب العسكري من أجل حقوق وحريات ورفاهية المصريين، بل جاء من أجل تنفيذ خطة الأميركان والصهاينة في إجهاض الثورات ومحاصرة قطاع غزة وإخضاع الشعوب العربية وعودتها إلى حظيرة الطاعة.

(مصر)
المساهمون