أنتي بايوتكو بقلبه الذهب

10 أكتوبر 2016
زينة عاصي/ لبنان
+ الخط -
يأتي إلى باب الكنيسة يوم الأحد، ويجلس في نصف الساعة التي تسبق القدّاس. كلبه الأسود يلاصقه أو في حضنه، وحقيبته السوداء المربوطة بحبال مركونةٌ على جنب.

يقلب القبعة الصينية السوداء أيضاً وينشغل بتدخين عقب سيغار التقطه من على الدرج. يعبر المصلون ويلقون بحسنتهم في جوف القبعة.

يشكرهم، وكلما تجمعت بضع قطعٍ يمدّ يده وينظرُها سريعاً ثم يضعها في المحفظة الجلدية الصغيرة.

هو يدور في المنطقة الممتدة من سان جوست حتى أفينيو. وحين يتقدّم الليلُ ينام في أي زاوية تيسّرت منها.

هو متشرد المنطقة إذن، والأهالي يعرفونه ويعطفون عليه.

ما إن يخفّ الداخلون، حتى يقوم ويذهب. هذه عادته منذ تعرّفت عليه قبل أشهر. أقول له أن ينتظر فثمة خير كثير قادم، فيقول حظّاً طيباً ويمضي.

الأسبوع الماضي كان ورمٌ كبير في رقبة الكلب، تكلّمنا وقال سأذهب وأشتري بهذه النقود مضادّاً حيوياً.

رأيته بعد أسبوع في ساحة رِيال جالساً على مقعد بجوار متشردة، يدخن سيكارة كاملة، وحوله زحام السائحين. كان يلبس هذه المرة شورتاً نسائياً بأزرار عند حافة الركبة. الشورت زهري، والتي شيرت أبيض والقبعة خضراء وضخمة.

والأهم من هذا وذاك أنه تحصّل على حقيبة سفر حمراء جديدة وكبيرة. عرضت عليه تفاحتين كنت طلعت بهما من البيت خوفَ نقص السكر، فشكرني لأنه لا يريد.

رأيته بعدها كالعادة في الحادية عشرة من ضحى الأحد الموالي. الكلب الطيب تعافى وعاد لوداعته وشقاوته. نصف ساعة وقام، استغربت فقال ثمة أماكن أخرى.

واليوم رأيته يجلس على حافة رصيف مرتفع في نزلة الشارع المؤدي إلى مبنى البريد، دخنت معه سيكارتين وقلت هيا أزف الموعد، فلم يهتّم وانشغل بالحديث عن همّه الطارئ.

لقد سرقوا له خزانته المتحركة! تلك الحقيبة الحمراء المعتبرة. يقول غبت عنها نصف ساعة ولم أجدها. أسأله وماذا ستفعل الآن؟ يقول لا مشكلة. سآتي بملابس جديدة من الكنيسة القريبة.

والفِراش؟

أشاح بلا مبالاة: لدي غطاء خفيف في الشنطة.

انتبهت لشنطة الكتف القماشية الفارغة تحت قدميه، ثم جاء شاب باكستاني في يده علبة مارلبورو حمراء وطلب ناراً.

أعاره الولاعة، وعرض عليه الشاب سيكارة فأخذها، ثم أخرج من جيبه ولاعة أخرى وأعطاها للشاب.

ذهبت للكنيسة، وعدت بعد ساعة أبحث عنه لأعطيه حراماً صوفياً من بيتي. لم أجده.

والآن وأنا أكتب هذه السطور أكتشف أنني لا أعرف اسمه.

ما اسمه يا ترى؟ إن أغلب الكلام بيننا كنت أفهمه بالحدس والإشارات.

لذا سأسمّيه أنتي بايوتكو antibiótico. هذا الأربعيني القادم من أقصى الشمال الإسباني، الذي لا يمكن أن تسأله عن حاله إلا ويقول: "بيين"، ويمطّها عميقةً كمن يقول "أُف كورس". الذي يجيد الفرنسية، ويرطن بها مع المحسنات الفرنسيات.

النحيف، الطويل، بقلبه الذهب.

المساهمون