أناديكم

16 مارس 2015
ليس في وارد التخلي عن زواجه (حسين بيضون)
+ الخط -

كان دائماً ودوداً ويفضّل الأغاني الثورية على ما عداها. أبرزها أغنية "أناديكم" للفنان أحمد قعبور. ظلّ يرددها باستمرار في كل المناسبات حتى صارت هذه الأغنية توأمه.
لم يكن م. صاحب شخصية صعبة ومعقّدة. رغم المشاكل العديدة التي ظلّت تعترضه في الحياة، ومنها اضطراره لتغيير سكنه مراراً، ظل دوماً صاحب ابتسامة ومبادئ. يحب أصدقاءه ويسأل عنهم ولا يفوّت مناسبة اجتماعية لأي منهم. ولطالما كان رقيقاً في التعامل معهم ومع أبنائهم على وجه الخصوص.

تزوّج مع بداية الحرب اللبنانية. الحرب التي لم يأخذ فيها موقفاً متطرفاً يوماً، على عكس كثيرين. ظلّ دائماً يقيس المسائل، حتى في أعقد الظروف، من منطلق أخلاقي وإنساني. لم يكره أحداً ولم يعاد أحداً ولم يسجّل عليه أنه اتخذ يوماً أي موقف طائفي أو مذهبي مع مجموعة ضد أخرى. لم يشعر أن هذا النوع من المسائل يستحق معاداة الناس لذلك كانت آراؤه مرتبطة غالباً بالقضايا الكبرى التي لا خلاف عليها. القضايا التي تنتهي بأن إسرائيل وحدها العدو.
تزوج م. في منتصف العشرينيات. كانت قد مرّت فترة قبل أن يتأخّر موضوع الإنجاب بالنسبة إليه ولزوجته. حاولا مراراً من دون أن ينجحا في ذلك وطلب الأطباء فحوصات طبية لكليهما. فتبيّن من نتائج التحاليل أن زوجته عاقر ولا تملك احتمالات ممكنة للإنجاب. الطب غير قادر على التدخل في حالتها.

لكن هذه النتيجة لم يعرفها إلا عدد قليل من الأصدقاء المقرّبين، وبطرق مواربة. ولأن م. ليس في وارد التخلي عن زواجه لأي سبب، حتى لو كان الإنجاب، ولأنه يعرف كمّ الأذى المعنوي الذي تتعرّض له المرأة في هذه المجتمعات من العالم، وقبل ذلك كلّه لأنه رجل شهم وشريف ويحب زوجته، كان يعلن في كلّ مناسبة ممكنة أنه عاقر ولا يمكنه إنجاب الأطفال.
أكثر من ذلك، أضاف للقصة التي ألّفها عن نفسه لحماية مشاعر زوجته مطوّلات تشيد بصبرها، وكيف أنها تتحمّله على الرغم من مشكلته المزمنة. أراد أن يلمّع صورتها في عيون الجميع وأن يأخذ الموضوع في صدره.

مضى أكثر من أربعين عاماً على هذا الزواج الذي لم يثمر أطفالاً. شاب م. وشابت زوجته. لكنهما ما زالا سعيدين وما زال يعاملها باللطف نفسه كأنهما تعارفا بالأمس القريب. وما زال حتى اليوم يعلن، رغم معرفة الجميع بالعكس، أن زوجته صبرت عمراً كاملاً على مشكلته، وأن هذا السبب وحده كاف لجعلها سيدة النساء في عينيه.
وما زال حتى اليوم كلما التقى بأحفاد أصدقائه يحملهم بالرقة ذاتها، يلاعبهم، ويغنّي لهم أغنية "أناديكم".
المساهمون