أكثر من عشر سنوات أمضتها في جمع الحلزون وبيعه للطباخين والنساء اللواتي يرغبن في طهوه في بيوتهن، لكن تجارته هذه تعثّرت. فانتقلت أمي السعدية إلى تحضير وجبة الحلزون الشعبية. وبعد أكثر من 16 عاماً من العمل في هذا المجال، استطاعت تأمين طلبات أبنائها وتحقيق بعضٍ من أمنياتها.
تخبر أمي السعدية "العربي الجديد" ودموع الفرح تغرق عينيها، أنها ممتنّة لتمكّنها من تحقيق واحدة من أحبّ الأمنيات على قلبها، بفضل بيع الحلزون. وتقول: "أديت فريضة الحج. وهذه هي النعمة التي كنت أسأل ربي ألا يحرمني منها".
وكانت أمي السعدية قد بدأت مهنتها هذه وقد وجدت نفسها مكرهة على الخروج من البيت. فقد ألقيت المسؤولية على عاتقها، بعدما عجز زوجها عن تأمين مصاريف معيشة العائلة بسبب عدم توفّر عمل ثابت. تروي أنه كان "يعمل يوماً أو اثنين ويجلس أسابيع من دون أي حركة. هذا ما جعلني أفكر في الخروج لمساعدته على توفير المأكل والملبس لأبنائنا، خصوصاً وأنني كنت حينها حاملاً بابنتي الثالثة، وكان عليّ توفير مصاريف ولادتي بنفسي".
تعلّمت أمي السعدية طهو "الببوش" أو "الغلالة" (الاسم الذي يطلقه المغاربة على الحلزون) وحدها. تقول: "في البداية كنت أبيع أحد الطباخين الحلزون الحيّ، وهو يقوم بإعداده ويعطيني بعضاً لأتذوقه. من ثم، بدأت أقوم بمحاولات في البيت حتى وصلت إلى الوصفة الدقيقة".
تضيف "في بادئ الأمر ولأنني لا أستطيع الكتابة، كنت أنسى بعض الأعشاب، وهو الأمر الذي كان يجعل مذاقها مختلفاً. لكن وبعد تكرار المحاولات، استطعت أن أنجز الطبق على أحسن وجه". تتابع: "طلبت من العطار الذي كنت أقصده لشراء التوابل، أن يجمع لي التوابل المطلوبة في كل مرة أحتاجها وألا ينسى أيّاً منها. وكان يساعدني كثيراً في تذكرها في كل مرة".
اقرأ أيضاً: نساء المغرب.. عمل الليل بين الهمّ الاجتماعيّ والمساواة
في الخبازات وهي منطقة أسواق شعبية قديمة يرتادها سكان مدينة القنيطرة باستمرار لتلبية جميع طلباتهم، تتخذ أمي السعدية لنفسها ركناً ثابتاً في الشارع العام. هناك تثبّت "الكروسة" وهي عربة تتوسطها طنجرة كبيرة يتصاعد منها البخار، صمّمت خصيصاً لبيع الحلزون.
عند تجوّلك في الخبازات، لا تحتاج إلى من يدلك على مكان أمي السعدية. رائحة الأعشاب الزكيّة المنبعثة من قدر الحلزون الكبير ترشدك إليها بسهولة. وهنا، يلتفّ الزبائن من مختلف الأعمار والفئات المجتمعية، حول أمي السعدية. يتجمّعون هنا ويتلذذون شرابها الحار وحبات الحلزون. هم يستخدمون الإبر لإخراجها من داخل قوقعاتها.
بالنسبة إلى أمي السعدية، "ثمّة أشخاص تجذبهم رائحة الأعشاب العطرية التي تفوح من المرق. فيطلبون أكواباً من المرق من دون أن يتناولوا الحلزون. وثمّة آخرون يعدّون حساءه مفيداً للصحة، نظراً لاحتوائه على أعشاب متنوعة تساعد المصابين بأمراض البرد كالسعال أو آلام البطن. كذلك تساعد على التخفيف من حدّة آلام الدورة الشهرية لدى النساء".
كل يوم، بعد صلاة العصر تقصد أمي السعدية بقعتها تلك، ولا تغادر مكانها إلا بعدما يفرغ قدرها الممتلئ بالحلزون الشهي. لذا، فهي تبقى هناك عادة حتى الساعة العاشرة أو الحادية عشرة ليلاً. وتشير إلى أنها تعمل طوال أيام السنة، "من دون إجازة. اضطرّ فقط إلى التوقف، في حال مرضت أو منعتني مشكلة عائلية من الخروج".
تجدر الإشارة إلى أن تحضير الحلزون المغربي يتطلّب دراية وإتقان، إذ إن أي خطأ أو تغيير في الوصفة من شأنه أن يجعل مذاقه غير مستساغ لدى الزبائن. وتشرح أمي السعدية ما تفعل، فتقول: "أضع الحلزون في أكياس مشبّكة تسمح بتسرّب الهواء وتساعد أيضاً على طرح ما يفرزه الحلزون من سائل مخاطي وفضلات بعدما أجعله يصوم (لا تقدّم له ما يأكله مدة أسبوع) وأعلقه في مكان بارد بعيداً عن الشمس".
وقدر أمي السعدية لا يخلو من الزعتر والفليو والخدنجل وأوراق النعناع وقشر الليمون والبهارات المنوّعة وأعشاب طبيعية أخرى تحفل بها سوق العطارة في المغرب. أما معداتها فجدّ بسيطة. كلّ ما تحتاجه في صنعتها تلك هو الأكواب الصغيرة ومغرف كبير وبعض الشوك الذي تستعيض عنها في أحيان كثيرة بأعواد الأسنان.
هناك، في بقعتها الخاصة، تقدّم أمي السعدية الحلزون الساخن وكلها عزم على مواصلة عملها الذي تؤمّن به رغيف عيشها. تقول والابتسامة لا تفارق محياها: "لا أستطيع التوقف. ليس لدى عائلتي أي مدخول ثابت ولن أحصل في يوم على معاش تقاعدي. وأنا ما زلت بصحة جيدة، فلم لا أعمل؟".
اقرأ أيضاً: طقوس مغربية غريبة لعلاج العقم