رغم حضور المرأة المغربية الواضح في السينما، ورغم محاولاتها المستمرة تخطي الحواجز الاجتماعية لبلوغ مكان في فن إشكالي اجتماعياً ودينياً وثقافياً، يبدو أنها هي نفسها لم تتخلص بعد من الحاجز النفسي الذي يحول دون وضعها على درجة واحدة مع السينمائي الرجل.
الحالة ليست جديدة ولا هي مستغربة، بل إنها حالة عالمية تشتكي منها السينمائيات حتى في سوق مهيمنة مثل هوليوود، وكنا سمعنا في الآونة الأخيرة سينمائيات كثيرات من وزن ميريل ستريب يشتكين من سيطرة الرجال على صناعة الفن السابع، ومن صعوبة تحليق المرأة في مجال آخر غير التمثيل، كالإخراج والتصوير والموسيقى ..إلخ. فكيف الحال حين نأتي لسينما صاعدة في مجتمعات تضيّق كثيراً على النساء ووجودهن في الفضاء العام، لا سيما في السينما والمسرح وأشكال التعبير الإبداعية المختلفة.
وربما تكون تجربة الباحثة السينمائية المغربية أمينة الصيباري (1972)، إحدى التجارب النسائية المبكرة والقليلة في النقد السينمائي في المغرب. صحيح أنها لم تدخل ميدان الفن السابع، لكنها انهمكت ناقدة وباحثة ومختصة في الفنون البصرية، في وقت مبكر وصعب إلى حد كبير، حيث كانت كلمة سينما وحدها صعبة التداول، وكان ربطها بامرأة تعمل فيها بأية طريقة يشكّل معضلة وتعقيدات كثيرة.
في لقائها مع "العربي الجديد"، تعتبر الصيباري أن مساهمة المرأة في تطوّر السينما المغربية أمر طبيعي وضروري، وتبيّن "نجد النساء حاضرات في التمثيل وفي الإخراج وفي التوضيب والمونتاج وحتى في الإنتاج، لكن النسب تختلف كلما صعدنا درجة في سلم التخصّصات. هذا يعني أن حضور المرأة في التمثيل أكثر منه في الإخراج وفي الإنتاج، تماماً كما هو الحال في جميع القطاعات الأخرى حيث يكون تواجد المرأة في القاعدة الهرمية، وكلما اقربنا من القمة أي من مراكز القرار يتقلص دورهن".
التجربة السينمائية في المغرب ليس لها امتداد تاريخي كبير، فالمجتمع لم يكن مهيأً لاحتضان السينما وغيرها من الفنون؛ وهو ما صعّب على المرأة شق طريقها في هذا المجال. عن ذلك تقول صاحبة "رجع الظلال" إنه "ومثل كل المجالات كانت السينما في البداية مقتصرة على الرجل، ويمكن استثناء التمثيل الذي كان حضور المرأة فيه أساسياً مند البداية، حيث لم يكن ليقبل فيه تعويض الرجل لأدوار المرأة كما كان يحصل في المسرح أو في فنون فرجوية أخرى كالحلقة".
وتكمل "في السينما، باعتبارها فناً حداثياً، كان وجود المرأة ضرورياً من خلال التشخيص وتنافست فيه النساء نداً للند مع الرجال من أجل النجومية، بتضحيات كبيرة بالطبع، لأن طبيعة الاشتغال في السينما تفرض التنقل والالتزام بالعمل في أماكن بعيدة ولأوقات طويلة وغير محددة أحياناً".
تكمل صيباري "ربما لم تصل بعد السينما المغربية إلى مستوى حكي سيرة الممثلات، لأن مفهوم النجومية ما زال ملتبساً في المغرب، لكن يوماً ما ستعترف الشاشة الكبيرة للنساء بتضحياتهن وتخطيهن الكثير من الأزمات والتحديات".
تلفت الصيباري إلى جيل المخرجات الرائدات في المغرب، مثل فريدة بليزيد وفريدة بورقية اللواتي درسن في أوروبا لأن التدريب في السينما وتخصّصاتها إلى اللحظة ما زال حديث العهد في المغرب.
هنا، تشير "من الجيد في هذا السياق أن نجد في "المركز السينمائي المغربي السينمائية" لطيفة نمير تترأس مصلحة التوضيب والمونتاج، كما نجد جيلاً واعداً من المخرجات الشابات اللواتي يحصلن سنوياً على جوائز مهمة في المهرجانات، وهذا ما يقدّم صورة إيجابية عن مستقبل المرأة في السينما"، ونلفت هنا إلى سلمى بركاش التي كتبت الصيباري عن عملها في فيلم "الوتر الخامس".
بدأت علاقة الناقدة المغربية بالسينما من خلال متابعة مهرجانات الفن السابع في البلاد، وكتابة الدراسات السينمائية والقراءات النقدية، لتنتقل بعد هذا إلى العمل منظِّمة للمهرجانات ومحكّمة في اللجان. هذه التجربة مكّنتها من تشكيل رؤية عن دور هذه التظاهرات السينمائية التي أصبح عددها الكبير يدعو إلى التساؤل أحياناً.
هنا توضح "لا يمكن إغفال دور المهرجانات في الترويج للسينما بالنظر إلى الدينامية التي تخلقها هاته المحطات لإبراز المنتوج الفيلمي الوطني والدولي، ومساهمتها في تقريب الجمهور من الفاعلين في السينما في مختلف مجالاتها"، تستدرك "خصوصاً أن المغرب تجتاحه ظاهرة غريبة تتمثّل في إغلاق صالات السينما في كل المدن، فهنا تصبح المهرجانات نافذة الجمهور الوحيدة لمشاهدة الأفلام وتداول الكلام عنها في جلسات النقاش، فيصبح المهرجان أشبه بمحطة تكوين وتدريب عبر الورشات واللقاءات مع السينمائيين".
تضيف رئيسة جمعية "الفن إكون للنهوض بالثقافة البصرية" أن الملاحظ في ما يخص المهرجانات في المغرب "اختلاف تصنيفها باختلاف تصوراتها لأن الإمكانيات تغيّر من حجم المهرجان وصداه وشكله، وبكل تأكيد فقوة التصوّر وأصالته يمكن أن تصبح ميزة للمهرجانات الصغرى رغم قلة مواردها المادية". لكن، من جهة أخرى، ترى الصيباري أن دعم مهرجانات سينمائية بأفكار مستنسخة لا يشكل أية إضافة.
اقرأ أيضاً: زهور كرام: طبقات القول النسائي