13 فبراير 2022
أميركا من اليمين المحافظ إلى المتطرّف
يمثّل فوز دونالد ترامب بالرئاسة في أميركا لحظةً فارقة في التاريخ الأميركي. وهو فوز يضاهي، في قوته وتأثيره، أحداثاً تاريخية كبرى، مرت بها الولايات المتحدة طوال القرنين الماضيين، منها فوز جون إف كيندي، أول كاثوليكي، بالرئاسة عام 1960 واغتياله بعد ثلاث سنوات في نوفمبر/ تشرين الثاني 1963، ومثل أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001 التي غيّرت السياسة الأميركية بشكل جذري، أو صعود رونالد ريغان إلى الرئاسة في أميركا الذي قام بتغيير معادلات الحرب الباردة، بشكلٍ ساهم، في النهاية، في انهيار الاتحاد السوفييتي، كما أقرّ السياسة التدخّلية في الشرق الأوسط ومأسسها بشكل كبير.
صعود ترامب إلى الرئاسة هو بمثابة تدشين لمرحلةٍ جديدةٍ في التاريخ الأميركي، تساهم فيها النخب اليمينية المتطرّفة بشكل كبير في إعادة تعريف رؤية أميركا لنفسها وللعالم. وهو الصعود الذي يمثل قمة جبل الثلج لتيارٍ جديد، نما طوال العقد الماضي داخل المجتمع الأميركي، وهو تيار اليمين البديل (Alternative Right)، والمعروف اختصاراً بـ (Alt-Right)، وهو تيار متطرّف أعلن عن نفسه بوضوح، بعد وصول باراك أوباما، بوصفه أول رئيسٍ من أصول أفريقية للرئاسة عام 2008، من خلال ما يُعرف بحزب الشاي (Tea Party).
يمثل تيار اليمين البديل تجاوزاً للتيار اليميني المحافظ (ومن هنا اسمه) الذي سبقه بثلاثة عقود، وتحديداً مع ولاية ريغان الثانية التي شهدت صعود من يوصفون بالمحافظين الجدد، والذي
تولوا السلطة في أميركا بعد أحداث "11 سبتمبر" في العام 2001، واتبعوا سياسةً خارجية إمبريالية تسعى إلى تتويج أميركا قوةً عالميةً وحيدة ضمن مشروع "القرن الأميركي الجديد". وهو تيار غارق في العنصرية والإقصائية والعداء للأقليات العرقية والإثنية والدينية التي تشكّل المجتمع الأميركي.
وعلى الرغم من عدم وجود إيديولوجيا رسمية لتيار "اليمين البديل"، إلا أن ما يجمع أعضاءه هو الشعور بسمو الرجل الأبيض وتفوقه على ما عداه من البشر، وهم ينتمون لما يعرف في المجتمع الأميركي بـ"الوايت سوبرميستس" (white supremacists). وقد أطلق مصطلح اليمين البديل أول مرة عام 2010 باحث أميركي مغمور، ينتمي إلى المتطرفين البيض، هو ريتشارد سبينسر الذي يدير مركز أبحاث صغير اسمه "معهد السياسة الوطنية"، والذي أنشأ موقعاً إلكترونيا يحمل اسم "اليمين البديل"، لنشر مقالات المنتمين إلى تيار المتطرفين البيض. ويشرف المعهد أيضا على موقع آخر اسمه "راديكس"، ويعني "الجذر أو الأصل"، وينشر مقالات لكثيرين ينتمون إلى هذا التيار تروّج مقولات السمو الأبيض، وتهاجم الأقليات والطوائف الأخرى. كما ينشر المعهد كتب منظّري هذا التيار، وأهمهم جارد تايلور، مؤسس مشروع "النهضة الأميركية" American Renaissance)) الذي يروّج أفكار سمو الجنس الأبيض وتفوقه. ويستخدم بعضهم ألفاظاً أخرى مرادفة لوصف تيار اليمين البديل، مثل "اليمين الجديد" و"اليمين المنشق أو المتمرد"...إلخ. في حين يصف منتمون لهذا التيار أنفسهم بـ"التقليديين الراديكاليين" (Radical Traditionalists) الذين يسعون إلى الحفاظ علي القيم التقليدية المسيحية. ولكن، من خلال هوية بيضاء متفوقة وسامية على ما عداها. ويرى بعض هؤلاء أن العرق الأبيض يتعرّض "لعملية إبادة"، نتيجة للهجرة ولانتشار ثقافة الأفروأميركان وطغيانها علي الثقافة "البيضاء".
لا يختلف هؤلاء البيض الجدد عن أقرانهم المتشدّدين المنتشرين في كثيرٍ من أنحاء أوروبا، والذين باتوا في مرحلة تفاؤلٍ، بعد وصول ترامب إلى الرئاسة في أميركا. وهم الذين يسعون إلى الحفاظ على الهوية البيضاء للقارة العجوز بكل الطرق، بما فيها استخدام العنف، كما كانت الحال مع المذبحة التي ارتكبها أندرياس بريفيك في النرويج عام 2011، وراح ضحيتها 77 شخصاً في جريمةٍ، هي الأعنف في تاريخ النرويج الحديث. ومعروف أن أندرياس ارتكب جريمته، انطلاقاً مما يراه محاولةً لإنقاذ المسيحية البيضاء في أوروبا. أو تلك الجريمة التي ارتكبها المراهق الأميركي، ديلن رووف، في كنيسةٍ للسود في ولاية كارولينا الجنوبية في صيف 2015، والتي ارتكبها انطلاقاً من كراهيته السود، وإيماناً بالتفوق الأبيض عليهم.
يستند تيار "اليمين البديل" أو المتطرّف في أميركا على عدة مقولات، أولها: "أميركا للبيض فقط". وهو شعار عنصري بامتياز، يسعى إلى استعادة هوية "أميركا البيضاء"، والتي يرون أنه تم تهديدها طوال العقود الماضية، سواء في سياسات الهجرة التي فتحت الباب أمام أعراق وأجناس أخرى كثيرة، باتت تمثل تهديداً لهذه الهوية البيضاء، حسبما يرى اليمينيون المتطرّفون. وهم على قناعةٍ بأن على البيض استعادة بلدانهم من أيدي هؤلاء الغرباء، وعدم تركهم يتحكّمون في البلاد ومؤسساتها. وهي مقولةٌ نابعةٌ من شعور بالنوستاليجيا لدى هؤلاء إزاء ما يتخيلونها الحقبة الذهبية للعرق الأبيض في أميركا التي سادت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
المقولة الثانية هي "أميركا أولاً"، والتي تعني التركيز علي المصلحة الأميركية فقط، بغض النظر عن مصالح بقية الدول والمجتمعات، حيث يرى تيار اليمين المتطرف أن أميركا ليست في حاجة إلى العالم، ولديها ما يكفي من الموارد، لكي تستغني عن العالم الخارجي الذي تراه
السبب الرئيس للمشكلات والأزمات الداخلية. لذا، لم يكن غريباً أن يصرّح ترامب، في حملته الانتخابية، بإعادة النظر في العلاقات مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومع بقية الحلفاء في الشرق الأوسط، ما أثار مخاوف هؤلاء الحلفاء الذين سعى الرئيس أوباما إلى طمأنتهم، من خلال جولته الأوروبية التي بدأت الأسبوع الماضي.
أما المقولة الثالثة فهي "لا للمهاجرين"، حيث يرفض المتطرفون البيض سياسات الهجرة والتعدّد الثقافي التي يقوم عليها المجتمع الأميركي، وشكلت أحد ملامحه طوال القرن الماضي. وهو موقفٌ يختلط فيه الثقافي بالاقتصادي والاجتماعي. حيث يرى هؤلاء أن سياسات الهجرة ساهمت في تهجين الثقافة البيضاء التي تقوم على منظومة القيم المسيحية المحافظة، وتعريضها لمخاطر عديدة، قد تؤدي، في النهاية، إلى انقراضها. وهم يرون في فوز ترامب طوق نجاةٍ أرسله إليهم "الرب"، للحفاظ على هذه الثقافة، خصوصاً مع إصراره علي طرد المهاجرين غير الشرعيين في أميركا، والذين يصل عددهم إلى حوالي 11 مليون مهاجر، غالبيتهم من اللاتينوز أو المنحدرين من بلدان أميركا اللاتينية. كما يرون أن المهاجرين ينافسونهم في وظائفهم وأقواتهم، وهو ما يجب أن يتم وضع حد له. لذا، كان أحد الشعارات الرئيسية لحملة ترامب الانتخابية هو إعادة المصانع والشركات الأميركية إلى الداخل، بدلاً من الخارج.
باختصار، يمكن القول إن من فاز في انتخابات الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري لم يكن فقط دونالد ترامب، وإنما تيار اليمين البديل، أو المتطرّف، الذي يسعى إلى إعادة هيكلة سياسات أميركية عديدة، داخلياً وخارجياً، بطريقة قد تغيّر وجه أميركا عقوداً مقبلة.
صعود ترامب إلى الرئاسة هو بمثابة تدشين لمرحلةٍ جديدةٍ في التاريخ الأميركي، تساهم فيها النخب اليمينية المتطرّفة بشكل كبير في إعادة تعريف رؤية أميركا لنفسها وللعالم. وهو الصعود الذي يمثل قمة جبل الثلج لتيارٍ جديد، نما طوال العقد الماضي داخل المجتمع الأميركي، وهو تيار اليمين البديل (Alternative Right)، والمعروف اختصاراً بـ (Alt-Right)، وهو تيار متطرّف أعلن عن نفسه بوضوح، بعد وصول باراك أوباما، بوصفه أول رئيسٍ من أصول أفريقية للرئاسة عام 2008، من خلال ما يُعرف بحزب الشاي (Tea Party).
يمثل تيار اليمين البديل تجاوزاً للتيار اليميني المحافظ (ومن هنا اسمه) الذي سبقه بثلاثة عقود، وتحديداً مع ولاية ريغان الثانية التي شهدت صعود من يوصفون بالمحافظين الجدد، والذي
وعلى الرغم من عدم وجود إيديولوجيا رسمية لتيار "اليمين البديل"، إلا أن ما يجمع أعضاءه هو الشعور بسمو الرجل الأبيض وتفوقه على ما عداه من البشر، وهم ينتمون لما يعرف في المجتمع الأميركي بـ"الوايت سوبرميستس" (white supremacists). وقد أطلق مصطلح اليمين البديل أول مرة عام 2010 باحث أميركي مغمور، ينتمي إلى المتطرفين البيض، هو ريتشارد سبينسر الذي يدير مركز أبحاث صغير اسمه "معهد السياسة الوطنية"، والذي أنشأ موقعاً إلكترونيا يحمل اسم "اليمين البديل"، لنشر مقالات المنتمين إلى تيار المتطرفين البيض. ويشرف المعهد أيضا على موقع آخر اسمه "راديكس"، ويعني "الجذر أو الأصل"، وينشر مقالات لكثيرين ينتمون إلى هذا التيار تروّج مقولات السمو الأبيض، وتهاجم الأقليات والطوائف الأخرى. كما ينشر المعهد كتب منظّري هذا التيار، وأهمهم جارد تايلور، مؤسس مشروع "النهضة الأميركية" American Renaissance)) الذي يروّج أفكار سمو الجنس الأبيض وتفوقه. ويستخدم بعضهم ألفاظاً أخرى مرادفة لوصف تيار اليمين البديل، مثل "اليمين الجديد" و"اليمين المنشق أو المتمرد"...إلخ. في حين يصف منتمون لهذا التيار أنفسهم بـ"التقليديين الراديكاليين" (Radical Traditionalists) الذين يسعون إلى الحفاظ علي القيم التقليدية المسيحية. ولكن، من خلال هوية بيضاء متفوقة وسامية على ما عداها. ويرى بعض هؤلاء أن العرق الأبيض يتعرّض "لعملية إبادة"، نتيجة للهجرة ولانتشار ثقافة الأفروأميركان وطغيانها علي الثقافة "البيضاء".
لا يختلف هؤلاء البيض الجدد عن أقرانهم المتشدّدين المنتشرين في كثيرٍ من أنحاء أوروبا، والذين باتوا في مرحلة تفاؤلٍ، بعد وصول ترامب إلى الرئاسة في أميركا. وهم الذين يسعون إلى الحفاظ على الهوية البيضاء للقارة العجوز بكل الطرق، بما فيها استخدام العنف، كما كانت الحال مع المذبحة التي ارتكبها أندرياس بريفيك في النرويج عام 2011، وراح ضحيتها 77 شخصاً في جريمةٍ، هي الأعنف في تاريخ النرويج الحديث. ومعروف أن أندرياس ارتكب جريمته، انطلاقاً مما يراه محاولةً لإنقاذ المسيحية البيضاء في أوروبا. أو تلك الجريمة التي ارتكبها المراهق الأميركي، ديلن رووف، في كنيسةٍ للسود في ولاية كارولينا الجنوبية في صيف 2015، والتي ارتكبها انطلاقاً من كراهيته السود، وإيماناً بالتفوق الأبيض عليهم.
يستند تيار "اليمين البديل" أو المتطرّف في أميركا على عدة مقولات، أولها: "أميركا للبيض فقط". وهو شعار عنصري بامتياز، يسعى إلى استعادة هوية "أميركا البيضاء"، والتي يرون أنه تم تهديدها طوال العقود الماضية، سواء في سياسات الهجرة التي فتحت الباب أمام أعراق وأجناس أخرى كثيرة، باتت تمثل تهديداً لهذه الهوية البيضاء، حسبما يرى اليمينيون المتطرّفون. وهم على قناعةٍ بأن على البيض استعادة بلدانهم من أيدي هؤلاء الغرباء، وعدم تركهم يتحكّمون في البلاد ومؤسساتها. وهي مقولةٌ نابعةٌ من شعور بالنوستاليجيا لدى هؤلاء إزاء ما يتخيلونها الحقبة الذهبية للعرق الأبيض في أميركا التي سادت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
المقولة الثانية هي "أميركا أولاً"، والتي تعني التركيز علي المصلحة الأميركية فقط، بغض النظر عن مصالح بقية الدول والمجتمعات، حيث يرى تيار اليمين المتطرف أن أميركا ليست في حاجة إلى العالم، ولديها ما يكفي من الموارد، لكي تستغني عن العالم الخارجي الذي تراه
أما المقولة الثالثة فهي "لا للمهاجرين"، حيث يرفض المتطرفون البيض سياسات الهجرة والتعدّد الثقافي التي يقوم عليها المجتمع الأميركي، وشكلت أحد ملامحه طوال القرن الماضي. وهو موقفٌ يختلط فيه الثقافي بالاقتصادي والاجتماعي. حيث يرى هؤلاء أن سياسات الهجرة ساهمت في تهجين الثقافة البيضاء التي تقوم على منظومة القيم المسيحية المحافظة، وتعريضها لمخاطر عديدة، قد تؤدي، في النهاية، إلى انقراضها. وهم يرون في فوز ترامب طوق نجاةٍ أرسله إليهم "الرب"، للحفاظ على هذه الثقافة، خصوصاً مع إصراره علي طرد المهاجرين غير الشرعيين في أميركا، والذين يصل عددهم إلى حوالي 11 مليون مهاجر، غالبيتهم من اللاتينوز أو المنحدرين من بلدان أميركا اللاتينية. كما يرون أن المهاجرين ينافسونهم في وظائفهم وأقواتهم، وهو ما يجب أن يتم وضع حد له. لذا، كان أحد الشعارات الرئيسية لحملة ترامب الانتخابية هو إعادة المصانع والشركات الأميركية إلى الداخل، بدلاً من الخارج.
باختصار، يمكن القول إن من فاز في انتخابات الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري لم يكن فقط دونالد ترامب، وإنما تيار اليمين البديل، أو المتطرّف، الذي يسعى إلى إعادة هيكلة سياسات أميركية عديدة، داخلياً وخارجياً، بطريقة قد تغيّر وجه أميركا عقوداً مقبلة.