إجتمع أهالي قرية البصّة (في الجليل الغربي) مؤخّراً في أمسية احتفالية فنّية تحت عنوان "للبصّة حنين وإلها راجعين"، وذلك في المركز الثقافي البلدي في قرية كفر ياسيف، بمبادرة من جمعية أبناء البصّة وتحت رعاية "جمعية المهجّرين"، وتمّ رصد ريع الأمسية لترميم مسجد وكنيسة القرية، اللذين هدمهما الاحتلال في خلال النكبة (1948) وهجّر أهالي القرية.
جاء أهالي البصّة المهجّرون، الذين أطلقت عليهم إسرائيل اسم "الحاضرين الغائبين"، من كلّ حدب وصوب، تحديداً من قرى الجليل التي لجأوا إليها: معيليا وكفرياسيف والمزرعة وأبو سنان، وكلّها على مرمى حجر من قريتهم البصّة.
تصدّر مدخلَ القاعة معرضُ صور عن تاريخ القرية ومعالمها المندثرة، وصور أخرى عن أهالي وحياة القرية قبل التهجير، مثل أحياء ودور القرية ومدارسها وكنائسها ومسجدها.
وافتتحت الأمسية بكلمات ترحيبية من الشيخ خليل عاصي، ابن قرية عين دور، وتلاه الكاهن فوزي خوري، فأشادا بدور الجمعية وأهمية ترميم الأماكن المقدّسة وحقّ العودة.
أما الجيل الثالث من أبناء البصّة فأخذ على عاتقه مهمّة تحضير الجانب الفنّي للمهرجان، الذي تضمّن عرض فيلم وثائقي عن تاريخ قرية البصّة حتى عام النكبة، ومسرحية هادفة عن "ليلى الحمراء"، والتي تمّ تطويعها تجاه القضية الفلسطينية والقرية المسلوبة.
وشارك أهل البصّة المقيمون في الشتات عبر "السكايب"، وقدّموا مداخلاتهم متحدّثين عن وضعهم وأماكن تواجدهم.
كان عدد سكان أهالي البصّة عام النكبة 4000 نسمة، لجأ بعضهم إلى مخيّم دبَي بلبنان، وهاجر جزء كبير منهم إلى أوروبا وأميركا. ويقدّر عدد أهالي البصّة اليوم بـ40 ألف نسمة، يتفرّقون في أرجاء المعمورة.
وقال خليل عاصي، من مواليد البصّة، ورئيس لجنة أبناء سحماتا المهجّرة أيضاً: "كانت البصّة السبّاقة في العلم والتطوّر والازدهار، كانت فيها مدرسة ثانوية هي الوحيدة بالمنطقة، أسّسها المطران حجّار عام 1927. واشتهرت البصّة بأرضها الخصبة وآبارها الحمضية. نعمل في الجمعية على تربية الأجيال القادمة على حبّ البصّة لتبقى في ذاكرتهم، وتنقل من جيل إلى جيل. ولكن للأسف استعملت الكنيسة والجامع لفترة طويلة كحظيرة للمواشي".
أما نزار فضّول، وهو ومن أبناء الجيل الثالث للبصّة 22 عاماً، وناشط في جمعية أبناء سحماتا يقول: "أنا وأبناء جيلي نشيطون في الجمعية وكلّ عمل في القرية. قمنا بتحضير برنامج المهرجان، نحن نريد إعادة الكنيسة والحفاظ على أي أثر بالقرية، حتى أصغر حجر، ليتسنّى لنا القيام بالترميم. ويضيف: "ورثت من أبي حبّ البصّة، زرتها منذ الطفولة برفقة والدي وعلمني أن لا أنسى البصة. فقمنا في عدة مرات بتنظيف مقابر البصّة مع أهل وشباب القرية. وعملنا بشكل خاص على ترميم الكنيسة قبل عقد حفل الزواج الأوّل في الكنيسة في الصيف الماضي".
وشمل المهرجان مداخلات لثلاثة من أبناء البصّه المقيمين في الشتات، ومنهم سفيرة فلسطين في هنغاريا، انطوانيت خليل حلس سيدين، والمفكّر الفلسطيني، إحسان الجمل ابن البصّه، المقيم في بيروت، والناشط في قضايا حقوق الانسان، المقيم في الولايات المتّحدة الأميركية، الاستاذ نمر حدّاد.
وقد شملت مداخلاتهم أخباراً عن أوضاعهم ونشاطهم مع أهالي البصّة في المهجر، بالإضافة إلى دورهم في الحفاظ على تربية الجيل الناشئ بالحفاظ على هويته الوطنية البصية لكي لا ينسى.
وقالت السفيرة أنطوانيت خليل حلس سيدين، عبر السكايب، والتي زارت البصّة قبل سنة ونصف سنة: "أحسست عندما زرت البصّة بأنني عدت الى الوطن. البصّة هي الهويّة التي أفتخر بأنّي جزء منها، والدي خليل الحلس رفض تسلّم الجنسية اللبنانية بمخيم دبي، وغالبية أهل البصة يعيشون اليوم في مدينة كوبن هاغن بعد أن تركوا المخيم بعد الحرب الأهلية اللبنانية. وقد أكلت أطيب كوز صبر في حياتي في البصّة. قرّرت إيجاد دعم مالي بعد أن سمعت أنّه تمّ تحرير الكنيسة من دائرة أراضي إسرائيل. فناقشت الموضوع مع سفير الفاتيكان في المجر، وأعلن لكم أننا سنتلقى خلال أسبوع دعماً مالياً من الفاتيكان عن طريق سفيرهم في المجر".