أمسية شاب سوداني

24 ديسمبر 2014
الرذيلة موجودة قبل اكتشاف السينما (Getty)
+ الخط -

خرج متثاقلاً من المنزل، يجر رجليه وهو يمشي في شارع الحي الترابي الضيّق، لا يدري لماذا يشعر بهذا الانقباض في هذا الوقت الذي تبتلع فيه عتمة الليل معالم الحي بأناة.. ليبدأ رقص الظلال.. مر أمام مصباح الشارع الوحيد المضيء، وقد تجمع حوله صبية الحي بعد أن انتهوا من لعبة كرة القدم (الدافوري). دلف إلى الشارع الذي يتوسط الحي، وقد أضاءته نسبياً أنوار دكانين البقالة.. وصل إلى مكان جلوسهم المعهود على جذع الشجرة العجوز التي سقطت إبان السيول والأمطار، وكان موقعها مثالياً بالقرب من أحد مصابيح الشارع وبقالة حاج أحمد فقد كانوا يتعشوا فيه بفتة الفول (بوش) يومياً، والآن يدير البقالة ابنه عبد القادر، المشهور بـ(قدوره)، فالتجارة كانت ولعه القديم.

رأى صديقه معاذ (الطوبة) يجلس وحيداً، وأطلقوا عليه صفة (الطوبة) بعد أن دخل في حالة من الإحباط، وهجر الضحك، فهو خريج منذ خمس سنوات، ولم يحظ بوظيفة إلى الآن.. ثم صار همه أن يخرج من السودان ليرى بلاد الله الواسعة المليئة بالحركة والألوان، منذ سنين وهو يقدم طلب "اللوتري" الأميركى، ويقف أمام أبواب السفارات الأجنبية.. وجد معاذ (الطوبة) كعادته، ثم وصلت بقية الشلة، محجوب الصوفي ومأمون السلفي ودنمو الشلة (غلوش)، الذي فرك يديه ابتهاجاً وقال: "شباب الليلة الخميس نخمس وين؟ وقبل أن يتلقى أي إجابة، قال: أقترح أن نمشي إلى شارع النيل نتعشى عشوة جامدة؟ - محجوب الصوفي: "يا أخي زهقنا من شارع النيل، أحسن نروح مول العفراء نلف فيه، وبعدين ندخل السينما ونتعشى في كافتيريا المول". اعترض مأمون السلفي "يا جماعة السينما حرام، وحتى المول فيه بنات متبرجات..). غلوش "اسمع يا مأمون، ما تطير لينا في حلقنا الليلة الخميس.. وعاوزنا نقعد في البيت زي العجائز). خرج قدورة من الدكان وقال امشوا حدائق (حبيي مفلس). فتدخل غلوش "طيب نمشي أي كافتيريا في شارع المطار، أو نمشي مسرحية في المسرح القومي؟". محجوب الصوفي "المسرحية بايخة، دخلناها وأصلوا ما في غيرها شغالة من سنين).غلوش "الليلة أنتم سخيفين ومملين، خلاص نخطط ليوم بكرة الجمعة، رأيكم شنو نمشي مصارعة أولاد النوبة بمنطقة الحاج يوسف؟". صرخ محجوب الصوفي "أنت عارف إنا يوم الجمعة بمشي حلقة الذكر في أم درمان". مأمون السلفي "أنت لسه في الضلال القديم ده قلت ليك حلقات الدراويش دي بدعة.. بدعة". هاج محجوب الصوفي "أنت المش فاهم شيء، وأنا أصلا بعتبرك مصاب بالنفسيات يا جماعة الزول دا كان كويس ومن ما بقى سلفي قطع ملابسة بالمقص وبقت في نص ساقه، وانتو عارفين الي بيشرط ملابسه زول مجنون ساي".

استدرك غلوش، وأخرج من جرابه مشروعاً جديداً "يا شباب انتو عارفين يوم سبت في قاعة الصداقة في عرض لسينما الشباب رأيكم شنو". مأمون السلفي "أحسن شيء عملتو حكومة الإنقاذ أنها قفلت كل دور السينما لأنها تنشر الرذيلة". صرخنا فيه جميعاً، "الرذيلة موجودة قبل اكتشاف السينما، والفن عمرو ما كان رذيلة، الرذيلة في النفوس..". غلوش "بقتو علي شنو يا شباب؟" رد محجوب الصوفي "أنا معاك إلا يوم الجمعة، يوم حلقة الذكر". مأمون السلفي "أنا معاك إلا السينما والحفلة".. سأل غلوش (معاذ الطوبة) "أنت معنا في البرنامج ده؟ أجاب معاذ وهو يبرم في شعره "أنا ماشي المسرح القومي أحضر المسرحية السخيفة الوهم دي، وعشان من المسرح أمرق من البلد دي برجليني (كداري) البلد دي انتهت وبقت وهم ..) قاطعه غلوش "ما تحكي لنا قصة حياتك خلاص الخميس (مطرشق) ..طيب نمشي نشرب شاي من ست الشاي في الشارع العمومي".

المساهمون