أمستردام... مدينة الألف وجه

30 يناير 2018
مدينة الزهور والقنوات المائية (دين موتاروبولوس/Getty)
+ الخط -
مدينة أمستردام أو مدينة الألف وجه كما قيل، هي أيضاً مدينة الزهور والحرية، تحلم بالحياة وتقلد رسومات "رامبرانت" و"فان غوخ" وتحلم بالشهرة والملايين. يَحار المرء في تحديد وصف لوجهها، فهي التي كتب عنها الرحالة الموريسكي أحمد بن قاسم الحجري في كتابه "رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب"، ذاكراً اسمها بالعربية "مسترضام" قائلاً: "ولما أن بلغنا إلى مدينة مسترضام، رأيت العجب في حسن بنيانها، ونقائها، وكثرة مخلوقاتها، تكاد أن تكون في العمارة مثل مدينة بريش بفرنجة (باريس) ولم تكن في الدنيا مدينة بكثرة السفن مثلها. وأما الديار، كل واحدة مرسومة، ومزوقة من أعلاها إلى أسفلها بالألوان العجيبة. ولن تشبه واحدة أخرى في صنع رقمها. والأزقة كلها بالأحجار المنبتة. والتقيت بمن رأى بلاد المشرق، وبلاد الصقالبة، ورومة، وغيرها من بلاد الدنيا. قال لي إنه ما رأى مثلها في الزين والملاحة".

بمجرد ذكر اسمها يتداعى إلى الذهن العديد من المفردات المتنافرة والتي لا يمكن أن تجتمع في سلة واحدة، فأمستردام كانت قرية صغيرة لصيد السمك أواخر القرن الثاني عشر، بسبب موقعها على ضفاف نهر الأمستل، ثم تحولت في القرن السابع عشر وأثناء عصر هولندا الذهبي لأحد أهم الموانئ الأوروبية ومركزاً تجارياً ومالياً هاماً، ثم توسعت القرية الصغيرة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين لتتحول لعاصمة هولندا. بنيت فيها العديد من الأحياء والضواحي الجديدة، لترسم ما سمي بأمستردام العتيقة، الشهيرة بمبانيها ذات الواجهات الضيقة، المنحني بعضها قليلاً إلى الأمام، أو ملتوية إلى الجهتين اليمنى أو اليسرى.

عن نشأة المدينة وتاريخها، تشرح إحدى العاملات في مكتب السياحة والتراث، سارا داهامز، لـ"العربي الجديد"، قائلة: "إن المدينة تقع في أرض مستنقعات تحت مستوى سطح البحر، وتقطع المدينة أكثر من مائة قناة وتساعد على تصفية الأرض وتجفيفها. شيدت معظم مبانيها في القرن السابع عشر على دعامات خشبية تصل إلى قاع البحر حيث يتجمّد الرمل ويتحجّر كالصخر، وفي بعض الأحيان تنحني تلك المباني إلى الأمام بفعل تأثير المياه المتسللة إلى الطبقات الجوفية تحتها، ولكن البلدية تولي أهمية كبيرة لهذا الأمر، وتتخذ الإجراءات اللازمة عند الضرورة".

مُنحت أمستردام لقب "مدينة" في عام 1300 وبدأت بعدها في الازدهار بسبب التبادل التجاري مع المدن المجاورة. لكنها لم تعرف الحرية الكاملة إلى حين ثار الهولنديون بقيادة فيلم الكتوم في القرن السادس عشر ضد سياسة فرض ضرائب جديدة كان فرضها الملك الإسباني فيليب الثاني، مستعمر الأراضي الهولندية حينها، وضد الاضطهاد الديني للبروتستانت من قِبل محاكم التفتيش الإسبانية.



تصاعدت هذه الثورة إلى حرب الثمانين عامًا، وقادت إلى استقلال البلاد، وإعلان جمهورية هولندا. وأصبحت الجمهورية الحديثة الولادة معروفة بتسامحها الديني نسبياً، ما دعا لهجرة يهود إسبانيا وفرنسا إليها. لكن تركيبة أمستردام السكانية زادت تنوعاً بسبب الهجرات المتتالية في القرنين الماضيين، وأصبحت الجالية الإسلامية هي أكبر الجاليات غير المسيحية في المدينة ولها ما يقرب من 300 مسجد. ويشكل المسلمون اليوم قرابة 13% من سكان المدينة وأكثرهم عدداً هم المغاربة الذين يصل عددهم إلى 60٫000 نسمة، يليهم الأتراك 40٫000 نسمة.

لكن هذ التنوع لم ينزع من المدينة شهرتها بما وصفت به قبل الهجرات المختلفة، فهي المدينة الساحرة بكل أنواع الورود، وخاصة "التيوليب" بكل ألوانه والجبنة الهولندية المتعددة الأنواع رائعة المذاق والقباقيب الخشبية الملونة بأشكال فنية جميلة وطواحين الهواء والبطاطس اللذيذة المحمرة بنكهة "المايو" كما تسمى هناك.

كما تدعوك المدينة وبلباقة يملأها الفخر والأناقة لزيارة أشهر متحفين لأشهر الرسامين في العالم هما فان جوخ ورامبرانت، ولكنها في نفس الوقت لا تخجل من دعوتك لزيارة بيوت صاحبات الرايات الحُمر، وهن يعملن على واجهات المحلات في أشهر حي للدعارة في العالم أو حي الأضواء الحمراء Red light district، الذي يبدأ من أمام أشهر كنيسة في أمستردام وضع أمام بوابتها الرئيسية تمثال من البرونز لبائعة الحب كتب تحتها عبارة "الجميلة"، أو مقاهي السجائر الملفوفة بكل أنواع الحشيش المتاح والمشروع بكل أصنافه وبمختلف الأسعار، كل ذلك على أصوات أجراس الكنائس تدق في كل مكان وعلى رأس كل ساعة.


دلالات
المساهمون