ألوان من السعادة

13 أكتوبر 2019
+ الخط -
للسعادة وجهها الحقيقي في مختلف الأماكن ومفاصلها المختلفة، وأياً كانت رؤاها وتطلعاتها ومفرزاتها، ففي رأيي الشخصي، في حال حاولنا اﻻمتثال للواقع وحفرنا يمكن أن ننهل بعض ما نبحث عن أنواعها ومفرداتها المتعددة، وبحب جارف، حينها يمكن أن نعرف أين يمكن أن تَصبّ، وفي أي اتجاه.

فالسعادة كنز ثمين موجود في مكان ما، ولكن الوصول إليه لا يحتاج إلى خريطة بل يكفي أن تتبع قلبك وسيهديك إلى ذلك المكان، وقد تكون السعادة شيئاً نسبياً، والإنسان قادر على إسعاد كل من يتعامل معهم، فضلاً عن أنها شعور داخلي يتمثّل في سكينة النفس، وانشراح الصدر، وراحة الضمير. ويمكن أن نأخذ عليها هذه المحاور التي يمكن لها أن تُهيئ لها طرقاً مغلقة.

فإلى كل من يبحث عن السعادة بعناوينها سيجدها، بلا شك، في مخدعه تحتضن فراشه لو أراد ذلك، وقد تكون في مفارق شتى. في زيارة مدينة ما أو موقع أثري، في التسوّق، في حمل طفل صغير، في مزاولة هواية التصوير، في رحلةٍ نهرية لاصطياد الأسماك، في مراجعة كتاب قديم، أو في قراءة قصّة أو مقالة أو رواية للأديب الراحل الطبيب عبد السلام العجيلي، التي وصلت إلى أربعة وأربعين إصداراً مختلفة الطيف، أو مراجعة ما كتبه الكاتب المصري المعروف جلال أمين، وما أدلى به من حوارات تلفزيونية تركت بصمة دامغة في الفكر والوجدان العربي، وكذلك ما كتبه الأديب المغفور له نجيب محفوظ، فضلاً عمّا تناوله الناقد المخضرم رجاء النقّاش، رحمه الله.. والحال بالنسبة للكاتب الروائي علاء الأسواني، وما يمتعنا به الكاتب والصحافي اللبناني سمير عطا الله، والكاتب جميل مطر من مقالات رائعة في الفكر والسياسة والاجتماع.


وقد يكون العمل التطوّعي، بالنسبة لي، يُعدُّ بمثابة السعادة الحقيقية التي يُمكن أَن أُقدمها للناس، بصورةٍ عامة، ناهيك عن أمورٍ وأحوال أخرى، يُمكن أن نُعدّها ـ في المقابل ـ مؤشراً مؤثّراً من مؤشرات السعادة، ومنها:

الاهتمام بالعلوم، حضور البرامج الثقافية، المشاركة في الندوات، الإصغاء إلى حديث كاتب كبير، الجلوس أمام الكمبيوتر وقراءة الصحف والمواقع الالكترونية وغيرها من الأنشطة الثقافية الأخرى، فهذا كنز كبير لا يمكن بحال أن أقارنه بشيء آخر.

وقد تكون سعادتنا متوفرة في سماع أغنية مؤثّرة لفنان مغمور لم تسعفه الشهرة على البروز، أو تكمن في الجلوس إلى ركن في مقهى متواضع، أو الإصغاء لحديث طفل صغير، أو الحضور إلى جانب صديق متفهّم ويعرف معنى الحياة ويصوّرها على أنها مجرد تجاذب أفكار ولقاء عابر سبيل، وغيرها من جوانب حياتية مهمّة صارت في منأى عن الوضوح، وكلّها تكاد تُشكل جانباً من ألوان السعادة الغائبة.

إنّ هذه القراءات، بمجملها، تُوفّر لنا الاسترخاء والمتعة والارتياح، لأن آثارها تبقى قائمة، وزوالها يعني موتنا سريرياً. ومع تدفّق المواقع الالكترونية، وتزايد أعدادها وغناها بالمعلومة والبحث عن أشياء شخصية مهمّة، تظل السعادة منقوصة بعيداً عن الوطن، لأنه مصدر السعادة الحقيقية، وهذا ما لمسناه من خلال سنوات الاغتراب، ولمسه الكثير غيري من محبين أصدقاء وزملاء..

وقد تجدُ سعادتك في تصفّح الانترنت، والتعليق على ما سبق أن قمت به من نشر "بوستات" مقتضبة تعالج قضية ما، أو في زيارة مطعم متواضع يُقدم وجباتك المفضلة، وقد تجد سعادتك في ممارسة لعبة كرة القدم أو غيرها من الألعاب الرياضية فردية كانت أم جماعية، أو في متابعة الدوري الانكليزي الممتاز(البريميرليج) لكرة القدم، بالإضافة إلى الدوريات الخمسة الكبرى في العالم، وقد تكون السعادة متوافرة في التنزّه إلى إحدى الغابات، وفي حوار جانبي مع زوجة غمرتها الفرحة باصطحاب زوجها إلى مكان خلي بعيداً عن أعين الناس يعلوه الصفاء بالراحة، وقد تتجسّد السعادة في تناول وجبة طعام بعينها، أو أنّها تكمن في تدخين النرجيلة أو في احتساء القهوة إلى جانب متابعة مسلسل تلفزيوني مثال: "الراية البيضاء"، لــ جميل راتب، وسناء جميل، أو متابعة المسلسل السوري الكوميدي "ضيعة ضايعة"، للمخرج الليث حجو ومن تأليف الدكتور ممدوح حمادة، وأبدع فيه كل من النجمين باسم ياخور ونضال سيجري، طيّب الله ثراه، أضف إلى بقية أسرة المسلسل التي أمتعت بحق المشاهد العربي في كل مكان على الرغم من تكراره الذي لم يشكل أي عنوان للملل... أو مشاهدة فيلم مثير للمتابعة من أفلام الفنان المبدع عادل إمام أو محمود ياسين، أو الممثل الأنيق الراحل كمال الشنّاوي، وقد تكون السعادة في ارتداء ملابس جديدة، أو في لقاء متجدّد مع صديق نبيل، سبق أن تعرفت عليه في زحمة انشغالاتك وهواجسك التي لا تتوقف عن الهذيان، مع فقدك أصدقائك القدامى.

وقد تكون السعادة مرسومة مع فريق عمل جمعته بهجة الفرح مع عدد من المهجّرين الذين سبق وأن وصلوا إلى دول "النعيم"، وألزموا في تعلّم مناهج اللغة المكثّفة بهدف الاندماج والتكيّف مع العالم الجديد، وقد تكون السعادة في إطالة اللحى، موضة العصر!.

وتظل سعادتنا، نحن السوريين، لا حدود لها في العودة إلى أرض الوطن، وبالتغنّي بأمجاده على الرغم من الحال الذي حلّ به..
دلالات
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.