"نشأت في عمّان (الأردن)، قبل أن تنتقل عائلتي إلى بروكلين (الولايات المتحدة الأميركية)، وأنا في السابعة من عمري. وعلى الرغم من أن عائلتي ليست تقليدية، إلا أنني كنت أوبّخ كلّما تركت ألعاب الفتيات التقليدية كالدمى، ورحت ألهو مع الصبيان بسياراتهم. كنت أحب اللعب مع إخوتي الذكور، لكن ذلك كان يدعو أهلي إلى الشكوى الدائمة من أنني مثل الصبيان". بهذا تختصر المتخصصة الاجتماعية ابتهال سلامة، وهي أمّ لصبيّ في الخامسة من عمره وفتاة في السابعة، مسألة التقسيم الجندري التي تفرضها العادات والتقاليد، بوعي أو من دون وعي.
تقول سلامة، في حديث إلى "العربي الجديد"، إنها قررت شراء الألعاب المتنوعة لولدَيها. وتضحك حين تروي أنها عندما تقصد متجراً لهذا الغرض، يسألها البائع إذا كان الطفل ذكراً أم أنثى. تضيف: "عندما كبرت، وبعد دراستي الجامعية وخصوصاً تخصصي في علم الاجتماع، بدأت أدرك أن هذا التقسيم في الألعاب مكتسب وليس طبيعياً. هو يُكتسب من المجتمع، وما من شيء طبيعي في داخلنا يوجّهنا كإناث أو ذكور لاختيار لعبة دون غيرها". وتشرح أن "الفتاة تلهو بألعاب تشبه الأدوات المنزلية الكهربائية كالغسالة مثلاً، وأيضاً بأدوات مطبخ بلاستيكية صغيرة وبالدمى، في حين يُتوقّع من الصبيّ اختيار ألعاب التركيب أو الجرافات والسيارات". تتابع: "حتى ألعاب الحاسوب مقسّمة جندرياً بحسب التقليد. نجد ألعاب كمبيوتر للفتيات تغيّر فيها ملابس الدمية أو ترتّب البيت وما إلى ذلك من أدوار تقليدية تحشر المرأة في زاوية محددة". وتشدّد على أن "ما يلفتني دائماً هو أن المتاجر ما زالت تخصص أقساماً خاصة للذكور وأخرى للإناث. كأن الفتاة لا ترغب في اللعب بسيارة سوداء أو زرقاء، بل كل الفتيات يرغبن بالدمى. من الصعب أن نصدّق أننا في القرن الواحد والعشرين، وما زلنا في دولة غربية نشهد ذلك في المتاجر".
في السياق نفسه، لاحظت امرأة وهي أمّ لثلاثة أطفال عند زيارتها فرعاً لأحد المتاجر الكبرى في الولايات المتحدة، وجود إشارة في قسم ألعاب الأطفال كتب عليها: "ألعاب أدوات بناء للفتيات". وهو ما أثار حفيظتها، فالتقطت صورة لها وغرّدت على موقع "تويتر"، مطالبة المتجر بوقف هذا النوع من الفصل في ألعاب الأطفال. لم يمرّ وقت طويل قبل أن يردّ القيّمون على المتجر على التغريدة، قائلين إنهم يدرسون الأمر. وبعد أقل من شهرين، في أغسطس/ آب الماضي، أعلن المتجر عن نيّته التوقف عن تخصيص أماكن عرض منفصلة لألعاب الأطفال الذكور والإناث. وجاء في إعلان المتجر كذلك، أنه سوف يتوقّف عن اعتماد لاصقات باللون الزهري أو الأزرق لمساعدة العاملين في فرز ألعاب الأطفال والفصل بينها جندرياً.
عن ذلك، قالت ليز إليوت، وهي باحثة وأستاذة في علم الأعصاب في جامعة شيكاغو، في مقابلة صحافية سابقة، إن "الشركات والمحلات التجارية تفرض تقسيم الألعاب جندرياً لأنه مربح أكثر. الفتاة مثلاً، لن تتمكن من إعطاء دراجتها الهوائية زهرية اللون لأخيها الأصغر. اللون بنّاتي. بالتالي، سوف تضطر العائلة إلى شراء عدد أكبر لا بل مضاعف مرّتين من الألعاب وحتى الملابس".
ولفتت إليوت الانتباه هنا إلى "أننا نعمد اليوم إلى تلميع الصورة الخارجية كنوع من أنواع التسويق". وعن مدى أهمية أن تلعب الفتيات بأنواع مختلفة من الألعاب، خصوصاً تلك التي يلعب بها الصبيان عادة، أجابت الباحثة أن "علينا أن نتخيّل الألعاب كساحة واسعة، فيها محطات مختلفة. اللهو بأنواع معيّنة من الألعاب، من شأنه أن يطوّر قدرات معيّنة. فإذا لعبت الفتاة مثلاً بألعاب تركيب وما إلى ذلك، فإن من شأن ذلك أن يطور قدراتها الذهنية في الرياضيات والهندسة. من هنا، تأتي أهمية أن يلهو الأطفال بألعاب متنوعة من دون أي تقسيم جندري، إذ إن ذلك يطوّر قدراتهم العقيلة ولا يجعلهم محدودين".
وحول ما يُشاع عن أن لعب الصبيان بالدمى من شأنه أن يؤثر مستقبلاً على توجّههم الجنسي، أكّدت أن ذلك لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة.
من جهتها، تؤكد سلامة على أن "العالم اليوم لم يعد مقسماً بهذه التقليدية. وأنا لا أتحدث فقط عن الأطفال". وتخبر أنها وزوجها يعملان ليتمكنا من إعالة عائلتهما، لذا هما يعمدان إلى تبادل الأدوار في الاهتمام بولدَيهما واصطحابهما من المدرسة واللعب معهما، وكذلك في الطبخ". تضيف: "لم يعد جائزاً أن نحشر كلّاً من الرجل والمرأة في أدوار تقليدية، إذا كنا نطمح إلى حياة عصرية وصحية".
اقرأ أيضاً: طلاب أميركيون يفكّرون بالانتحار