لم تعرقل إجراءات الحجر الصحي إصدار ألعاب الفيديو (Getty)
08 يوليو 2020
+ الخط -

يدلنا استئناف لعب دوريات كرة القدم على شيئين اثنين: حجم الاستثمارات الهائلة في قطاع الترفيه، التي لا يمكن التخلي عنها ببساطة أياً كان الظرف، وثانياً، حاجتنا الملحة إلى الترفيه أياً كان الظرف أيضاً؛ إذ يصعب التصديق بأن نهاية الحياة وشيكة حين يعود سوق الانتقالات وشائعاته وتُدفَع ملايين طائلة ثمناً لعقود ستمتد لسنين طويلة، ما يعني أن الحياة مستمرة، خلال فترة سريان العقود على الأقل. ولهذه الأسباب، يمكن أن نفهم حيلة تسويق عودة الدوري الإنكليزي الممتاز بوصفه "محفزاً لعزيمة" الأمة البريطانية، رغم المحاذير واعتراضات الكثيرين من اللاعبين وسواهم.
وبما أن كرة القدم، كصناعة ترفيهية، تشترك مع كثير من مكونات هذا القطاع بوجود الجمهور وحضوره وطقوسه، فإن التساؤل عن هؤلاء يصبح بنفس الأهمية؛ كيف يقضون أوقاتهم؟ وما الذي تغيّر في ترفيههم؟ وبعيداً عن الوعود التي قطعناها على أنفسنا بممارسة المزيد من الرياضة وتنمية الذات، سنجد أننا بتنا نحدق في الشاشات أكثر من أي وقتٍ مضى، سواء كانت تعرض مسلسلاً آخر على نتفليكس التي اضطرت، تحت ضغط المشاهدة المتزايدة، أن تخفض جودة البث، أو واحداً من إنتاجات المسرح الوطني البريطاني التي توافرت بالمجان للمرابطين في المنازل. 
إلا أن شكلاً آخر -وأكثر تفاعلية- من التحديق قد ازدهر أيضاً خلال هذه الفترة غير الاعتيادية، ولا يحدث أننا نشمله بنفس الطريقة التي نتحدث بها عن باقي الطرائق التي نسعى فيها لنشعر بالترفيه. ففي منتصف شهر مارس الماضي، بداية دخول العالم سباته هذا، سجّلت منصة Steam رقماً قياسياً من حيث عدد المستخدمين المتزامنين، بلغ 20 مليون مستخدم، مؤكدةً التفات بعضنا نحو هذه الطريقة. ومع ذلك، فإن هذا الرقم لا يقدم الحقيقة كاملةً، إذ ليست المنصة الخيار الوحيد للاعبين رغم كونها واحدة من عمالقة هذا المجال، كما أنه تتشارك مع غيرها خطر القرصنة الذي يمدنا بأرقام كبيرة هو الآخر.

ومع مواجهة الساعات الطويلة التي لم يكن أحد "مضطراً" إلى استغلالها من قبل، يمكن تقسيم أنواع هؤلاء الذين قرّروا قتل بعضها عبر ألعاب الفيديو إلى ثلاثة أقسام رئيسة، وهم من اكتشفوا أو دخلوا هذا المجال جدياً للمرة الأولى، وأولئك العائدون بعد طول انقطاع لشتى الأسباب، وأخيراً من زادوا معدل ساعات اللعب بكل بساطة.
وإذا ما ساهمت إجراءات الحجر الصحي بعودتنا إلى أشكال الترفيه المنزلية بشكلٍ عام، فإنها سهلت العودة إلى ألعاب الفيديو -أو المجاهرة بذلك- خصيصاً. فبينما نعترف بإفراطنا في متابعة مسلسلٍ ما، أو نفتخر بمتابعة مجموعة أفلام كلاسيكية، يصعب تكرار ذلك مع ألعاب الفيديو عند كثيرين، فهي لا تقدم دروساً مهمة عن الحياة كما تفعل أشكال أخرى، وتبدو مجرد "لعبٍ" بلا فائدة، مرتبطةً بقوالب جاهزة عن عدم النضج أو الاضطراب الاجتماعي. ولا داعي للقول إن إبداء قناعاتٍ كهذه يحتاج إلى درجة مميزة من عدم الدراية بهذا الوسيط، إلا أن التعميم لم يكن يوماً متعلقاً بالدقة أو المعرفة.   
أما اليوم، حين تصبح البطولة ملازمة للأريكة، ويبدو تجريب كل شيء ضمن حدود المساحة المسماة منزلاً أمراً مباحاً، فإن الأمور تصبح أسهل إلى حدٍ ما.
تشبه صناعة ألعاب الفيديو مثيلاتها في قطاعات الترفيه الأخرى، من حيث التنوع والتصنيفات والتطور، وتتشارك معها بآليات العرض والطلب وحجم الاستثمارات الهائلة، وتبقى طبيعة "الحضور" نقطة الاختلاف الرئيسية. فمع توقف مختلف الفعاليات بداية فترة الحجر المنزلي، أواخر مارس الماضي، صدرت النسخة الجديدة من Doom Eternal التي سجلت في أول أسبوعٍ منذ إصدارها عدد لاعبين قياسيا على Steam، يصل إلى ضعف الرقم الذي سجله الإصدار السابق من اللعبة. وشهدت الفترة ذاتها إصدار Animal Crossing New Horizons، التي كسرت مبيعاتها هي الأخرى أرقاماً قياسية. أي أن إجراءات الحجر الصحي لم تعق إصدار هاتين اللعبتين للجمهور، وأصبحتا بحكم الألعاب التي أُصدِرت قبل التوقف الذي حصل بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد. 
وبينما يبدو الطلب والعرض مستقرين ومزدهرين من هذه الناحية، كما تثبت ذلك مجموعة من الأرقام المختلفة، كمبيعات الألعاب في الولايات المتحدة الأميركية التي بلغت أكثر من 1.6 مليار دولار في شهر مارس، فإن الحال ليس نفسه عندما يتعلق الأمر بالأعمال غير المنجزة بعد. 
إن ألعاب الفيديو، شأنها شأن أي منتج يصل إلى أيدينا ونشبعه استهلاكاً، نواتجٌ طبيعية لرحلات مرهقة من التطوير الذي يمتد لفترات طويلة، ويعرض الشركات الكبرى المنتجة لهذه الألعاب للانتقادات بسبب التعامل مع موظفيها (وهذا جانب آخر لا تختلف فيه هذه الشركات عن مثيلاتها في القطاع!). إذ يضطر المطورون للعمل أحياناً لساعات إضافية، ليصل عدد الساعات الكلي في الأسبوع إلى 100 ساعة، من دون تعويضٍ مناسب عن الوقت إضافي، فيما بات يعرف عالمياً بالـ Crunch culture، التي باتت ظاهرة مزمنة تودي بشركة مثل Telltale Games إلى التوقف عن العمل وترك العديد من الموظفين بلا مصدر رزق على الإطلاق.

واليوم، بعد أن بات العمل من المنزل الشكل الطبيعي للأعمال هذه، فإن العديد من المطورين يجدون أنفسهم أمام المزيد من الإرهاق والضغط، ورغم أن الشركات الكبرى معتادة على العمل عن بعد بحكم كون مكاتبها متوزعة في عدة أنحاء حول العالم، إلا أن العمل من المنزل شكّل تحدياً مختلفاً للموظفين لصعوبة التواصل واختلاف التجهيزات والبنى التحتية. ونتيجة لذلك فإن بعض العناوين المرتقبة قد تأجل إطلاقها بالفعل ملقياً ببعض الشك على مستقبل هذه الصناعة.

وبالطبع فإن هذه الصعوبات تتضاعف عند الحديث على شركة مستقلة أو استوديو مستقل، حيث تصبح فرص الاستمرار أو النجاة أقل من تلك التي تحظى بها الشركات الكبرى. وعلى المدى الطويل، فإن هذا يشكل تهديداً كالذي يواجهه صناع الأفلام المستقلون مثلاً من حيث الإسهام بتشكيل الحركة الفنية ومدها بعناصر غير السائدة. وذلك كله دون أن نقف بشكلٍ مطول عند انعكاسات الانكماش الاقتصادي اليوم على هذه الشركات.  
ورغم أن هذا القطاع بات "افتراضياً" بشكلٍ كبير، إلا أنه ما زال، أولا وقبل كل شيء، متعلقاً بأجهزة تشغيل الألعاب كـ بلاي ستيشن وإكس بوكس، اللذين ينتظر إطلاق الوحدات الجديدة منهما بعد كل العراقيل الأخيرة. كما أن جزءًا كبيراً من التسويق لهذه الألعاب أو المشغلات، ما زال يعتمد على فعاليات حقيقية التي يعد أشهرها E3، إضافةً لبيع النسخ المادية أو الحقيقية من الألعاب على شكل أقراص مضغوطة وسواها، والملحقات الإضافية أو القطع التذكارية. وهي كلها عوامل لا شك تأثرت اليوم بالحالة الطارئة.
إن العلاقة التفاعلية بين المنتجين واللاعبين تعتمد، مثل كثيرٍ من العلاقات الشبيهة، على الثقة، وبالتالي المستقبل. فمهما انتعشت مبيعات الألعاب الموجودة سلفاً، لا يمكن لذلك أن يستمر من دون الثقة بوجود ألعابٍ جديدة وملفات قابلة للتحميل لتلك الموجودة سابقاً وقس على ذلك من تفاصيل تربط تطلعنا للمستقبل بتفاصيل كنسخة جديدة من لعبةٍ ما أو الـ بلاي ستيشن 5 أو موسم آخر لأحد المسلسلات.

المساهمون