أكاديمية المظلة: أبطال خارقون في عائلة مُفككة

06 مارس 2019
برحيل الأب عادت العائلة لتجتمع من جديد (نتفليكس)
+ الخط -
في الخامس عشر من فبراير/شباط الماضي، أطلقت نتفليكس مسلسل أكاديمية المظلة The Umbrella Academy للبث على شبكتها. يعتبر هذا أول مسلسل أبطال خارقين تعرضه الشبكة بعد توقيفها لعدد من مسلسلات عالم مارفل. ويمكن النظر إليهِ على أنه ردة فعل على تهديد مارفل بسحب مسلسلاتها، حيث عادت نتفليكس بمسلسل قوي. 
المسلسل مبني على مجلة قصص مصورة تحمل الاسم نفسه وتصدر عن The Dark Horse Comic (المنتجة أيضًا لسلسلة أفلام هيل بوي). حقق المسلسل في أيامه الأولى أرقاماً قياسية، حيث تسلق لقائمة أفضل 250 مسلسلاً على موقع IMDb وبقي في القائمة لعدة أيام، إلا أنه عاود الخروج منها. لكن حسب التوقعات وآراء المشاهدين، فمن المتوقع أن يحجز هذا المسلسل لنفسهِ مكانًا دائمًا في تلك القائمة.
تدور حبكة المسلسل عن مجموعة من الأشخاص الذين ولدوا في الوقت نفسه في عدة مناطق من العالم، وكلهم ولدوا لحظيًا من دون أن يكون هناك حمل عند أمهاتهم. يأخذ شخص ثري على عاتقه أن يتبنى هؤلاء الأطفال ليرعاهم ليكونوا أبطالًا خارقين.
يتمكن هذا الشخص الثري من تبني سبعة من هؤلاء المواليد، وينقلهم للعيش معه في بيتهِ، ويواكب تدريبهم وتجهيزهم للأسوأ حتى وهم أطفال. لاحقًا، ونظرًا لانعدام المشاعر العائلية، تتفرق العائلة بأفرادها السبعة، ويذهب كل واحد منهم في طريقهِ، إلى أن يأتيهم خبرَ موت أبيهم، وبالتالي يكون عليهم التجمع من جديد ليحاولوا فك لغز موتهِ، ولاحقًا محاولة إنقاذ العالم من هلاكه القادم.

البطولة على الهامش
عندما نشاهد فيلمًا أو مسلسلًا عن أبطال خارقين، نحاول دائمًا أن نضع حدًّا أو خطًّا للخيال الذي سيلتزم بهِ ذلك العمل، وبالتالي، نتوقع منهم درجة معينة في الجدية عند رواية القصة، وهذا ما تفشل بهِ أغلب أفلام ومسلسلات الأبطال الخارقين، حيث لا تلتزم بحدود الخيال التي وضعتها في البداية، بل وتحاول قدر المستطاع الذهاب لترضية المشاهد بغض النظر عن مدى سطحية العمل الذي سيخرج في النهاية. ولكن في مسلسل "أكاديمية المظلة"، هناك درجة احترام عالية للمشاهد، من حيث ضخامة العمل الفني وجدية المنتجين في نيتهم لإخراج عمل يستحق مشاهدة الجمهور.
هذه الجدية، جعلت من البطولة الخارقة محسّنًا بديعيًا للعمل بدلًا من كونها عنصرًا أساسيًا تدور حوله حبكة المسلسل، وهذا ليس بأمر جديد على المسلسلات التي تنتجها نتفليكس؛ حيث تراعي الشبكة في إنتاجاتها أن تقدم عملًا يستحق المشاهدة من جميع أطياف المشاهدين في الوقت نفسهِ، وقد شاهدنا هذا في عدة مسلسلات سابقة مثل مسلسل سُكنى منزل آل هِل The Haunting of Hill’s House، والذي استخدم الرعب كمحسن بديعي، ولكن تركيز المسلسل الأصلي كان على العائلة بالمقام الأول.


العائلة والهروب من الوحدة
إذًا، لدينا مسلسل أبطال خارقين، لا يتحدث عنهم كونهم أبطالاً خارقين، وإنما عن كونهم بشرًا مثلنا، لديهم مشاكلهم العائلية والحياتية والصعوبات التي تكتنف حياة أي إنسان عادي على كوكب الأرض. التركيز على هذا الموضوع، يجعل من هذا العمل الأول من نوعهِ تقريبًا، سواء على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة، حيث يكون صراع الأبطال الخارقين في الغالب صراعًا أخلاقيًا أو صراعًا خارجيًا (خارج الجسد)، وفي صراع تام مع الشخصيات الأخرى. أما هذا المسلسل، فهو يحاول أن يغوص أكثر في موضوع العائلة وكيف يمكن للتربية السيئة أن تحول حتى أكثر العائلات قوة، إلى أكثر العائلات تفككًا.
يناقش "أكاديمية المظلة" موضوع التمييز بين الأبناء، وكيف له أن ينتج أشخاصًا/أبناءً مشوهين عاطفيًا، وعلى استعداد لفعل أي شيء للابتعاد عن العائلة الأساسية أو كل ما له علاقة أو بما يذكر بتلك العائلة.
ظهر هذا مرارًا في المسلسل مع شخصية دييغو وشخصية كلاوس، وبشكل طفيف مع الشخصيات الأخرى، ولكنه كان ظاهرًا بشكل أكبر عند شخصية فانيا (إيلين بيج)، والتي عوملت بتمييز بالمقارنة مع أخوتها، وذلك لظنهم أنها لا تملك أي قوة خارقة، هذا التمييز زرع في نفس فانيا الحقد ولو قليلًا على أخواتها وعلى معاملتهم لها، وهو ما يؤدي بها لاحقًا لتصير المسبب الرئيسي لنهاية العالم، وذلك بسبب التربية السيئة التي كرّسها ورسخها الأب في نفوس أبنائهِ وفي نفس ابنتهِ التي عاملها دائمًا على أنها أقل من باقي أخواتها درجة.



يناقش المسلسل أيضًا موضوع الوحدة، وكيف أن حياة الأبطال الخارقين دائمًا تكون محاطة بهالة فراغ كبيرة، تدفع البطل الخارق إلى الاكتئاب، وهو ما دفع بشخصية لوثر، أن يقول لأحد إخوانه: "الوحدة لوحدها كفيلة لأن تكسر روحك". كل شخصيات المسلسل تقريبًا عانت من الوحدة وشعرت بالحاجة إلى التواصل البشري وأن تكون في مجموعة عوضًا عن أن يكونوا فرادى. فـ لوثر قضى على القمر أربع سنوات محاربًا الوحدة هناك، ظنًّا منه أنه يقوم بحراسة الأرض [تبين أن والده كان يخدعه]، وأليسون استخدمت قواها مع ابنتها، فحرمت من حقها بالحضانة، وصارت تحارب في كل اتجاه، محاوِلةً أن تكون معها من جديد، ودييغو الذي يعمل كمنتقم (فجيلانتي)، وينصب نفسه كمسؤول عن تحقيق عدالة الشارع (مثل أوليفر كوين وباتمان)، لكنه فعليًا يصارع الوحدة في أوقات فراغه، وكلاوس الذي أدمن على المخدرات في محاولة منه للهروب من الأصوات في داخلهِ ومن قدراتهِ، وأخيرًا وليس بآخر، فانيا، والتي كانت تعيش في شقة لوحدها من دون أي رفيق أو صديق أو حبيب، وتعيش حياتها -العادية- بطريقة عادية. 
ولكن وفور وصول خبر وفاة الأب، تتجمع العائلة بأكملها في البيت، محاولة استخدام الوفاة كسبب للتجمع، ولكن فعليًا، كان الهدف الأول من التجمع هو العائلة والقرب والحاجة للشعور بالاهتمام والإدراك أن هناك من يهتم لأمرك. 
تحارب الشخصيات الاعتراف بهذه الحقيقة، إلا أنه وفي نهاية كل حلقة (خصص عدد من الحلقات للغوص في شخصيات عدد من الأبطال بشكل رئيسي)، كنا نرى أن كل شخصية من الشخصيات، كانت تسعى بشكل أو بآخر للبقاء مع العائلة وأن تبتعد قدر المستطاع عن منفى الوحدة، وهذا هو ما جعل المسلسل من أنجح مسلسلات نتفليكس مؤخرًا.
المساهمون