أفلام الغزو الفضائي: صورة نيئة وقاتلة عن الذات

01 مايو 2016
مشهد من "الموجة الخامسة"
+ الخط -

خرج إلى الصالات الفرنسية، مؤخراً، فيلم الخيال العلمي "الموجة الخامسة" للمخرج البريطاني جاك بلاكسون، وهو يستعيد حبكة غزو الأرض على يد "آخرين" قادمين من الفضاء الخارجي.

لا يشذّ الفيلم عن السياق الروتيني لهذا النوع. تظهر المركبات الغريبة فجأة في السماء، ومن دون أن يظهر "الآخرون" المتفوّقون وجوههم أو يتجاوبوا مع مساعي التواصل، يباشرون عملية إبادة منهجية مقسّمة على دفعات أو موجات.

في الموجة الأولى يتسبّبون بعطل كل المحرّكات، في الثانية بسلسلة من الفيضانات الأبوكالبتية وفي الثالثة بأوبئة قاتلة. أما في الموجة الرابعة، فهم يظهرون بأجساد ووجوه بشرية ويسعون للقضاء على ما تبقّى من السكان الأصليين. يطلق عليهم أهل الأرض تسمية "الآخرون"، بوصفهم الآخر المطلق الذي يتعالى حتى على ألفة التسمية، لكن سرعان ما يتّضح أن هذا الآخر ليس سوى انعكاس الذات ومرآتها القاتلة.

على غرار عدد لا يحصى من الأفلام الأخرى، يستلهم الفيلم تحذير العالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ: "إذا زارنا أبناء كواكب أخرى، قد تكون النتيجة مماثلة لما حصل مع وصول كريستوف كولومبس إلى القارة الأميركية. يكفي أن ننظر إلى أنفسنا لكي نرى كيف بوسع الحياة العاقلة أن تتخذ شكلاً لا نرغب في لقائه". "أنفسنا" الجامعة التي يتكلم عنها ستيفن هوكنغ هي الذات الإنسانية طبعاً، لكن من منظور غربي إثنو مركزي.

فبين الإرساليات الأوروبية المحمولة على ظهور المدافع وسور الصين العظيم، ثمة تمايز عميق وجوهري يصعب اختزاله في "أنفسنا" واحدة. إذا كان المنظور الاستعماري الاستشراقي يتمثّل الآخر المغلوب بوصفه صورة متدنية عن الذات الغربية، فالمنظور السينمائي "الاستفضائي" (من فضاء) يتمثّل الآخر المتفوّق بوصفه صورة نيئة وقاتلة عن الذات.

في فيلم "أفاتار" مثلاً، يقحم جيمس كاميرون في السينما الفضائية مقاربة "هيبية" تناهض المركزية الغربية من منظور استشراقي مقلوب وساذج، فيستعيد في "أفاتار" العمالقة الزرق الأسطورة الهوليوودية عن الهنود الحمر الروحانيين والمتصالحين مع الطبيعة في مواجهة غزو الرجل الأبيض الجشع والمادي.

أما في فيلم "المقاطعة تسعة" لنيل بلومكامب، فيغدو الفضائيون لاجئين على الأرض الأميركية بعد تعطّل مركبتهم، لتحشرهم الحكومة في غيتو مفرط في البؤس وتعاملهم بوحشية تتخطى كل ما يمكن أن يتعرّض له أقرانهم من اللاجئين البشر.

من البديهي أن يحاكي الآخر المتخيّل هواجس الذات ومخاوفها. يلاحظ اختصاصيّو علم النفس مثلاً أن رسوم المخلوقات الفضائية الأكثر شيوعاً تشبه إلى حد بعيد الهياكل العظمية في إحالة واضحة إلى الآخر المطلق الذي هو الموت.

وأثناء الحرب الباردة، كان من الشائع أن يحاكي فضائيو هوليوود الآخر الشيوعي والفاشي، كما هو الحال مثلاً في مسلسل "ستار تريك" الشهير مع حضارات البورغ والكلينغون المعادية.

لكن الأمر تغيّر مع انتصار الغرب في الحرب الباردة وما تلاه من مرحلة أحادية قطبية تبعها انكفاء الغرب التقليدي إلى حدوده الأقليمية في مواجهة صعود قوى إقليمية أخرى مُغَرْبَنة إلى حد بعيد.

على هذا النحو، صار الآخر الذي يؤرّق راحة الذات الغربية عضوياً وداخلياً، يجسّده أولاً أبناء الجاليات المهاجرة المتحدّرة من المستعمرات السابقة والتي صارت جزءاً لا يتجزّأ من المجتمعات الغربية، كما تعبّر عنه على مستوى آخر القوى الإقليمية المنعتقة من الماضي الاستعماري والتي صارت اليوم بعد غَربَنتها أنداداً وازنة ومؤثرة للغرب التقليدي في منظومة الاقتصاد الرأسمالي المعولم التي تعيش اليوم أسوأ أزماتها منذ انتصارها في الحرب الباردة.

وفي هذا السياق، صارت هوليوود تنتظر المستعمِر الفضائي للتكفير عن الخطيئة الأصلية ومصالحة الذات الغربية مع ذاتها وتذويب تناقضاتها.

دلالات
المساهمون