أفغانستان.. الألغام تحوّل التلاميذ إلى متسولين

21 نوفمبر 2015
أفراد المجتمع يرون أطفالهم المعوّقين عبئا عليهم(Getty)
+ الخط -

قبل خمسة أعوام خسر محمد روضت عينيه ورجله اليمنى، إثر انفجار لغم أرضي تعرّضت له سيارة مدنية في مديرية مرجه بإقليم هلمند، جنوبي البلاد. كما تأثر وجهه إلى حد كبير بسبب إصابته بشظايا الانفجار. الشاب البالغ من العمر 15 عاما كان وقتئذ ابن عشرة أعوام فقط، وكان يدرس في إحدى المدارس الحكومية في القرية. كما كان يساعد والده في أمور الزراعة، كأخذ الطعام إليه عند الغداء والفطور.
وبعد إعاقته لم يعد الشاب قادرا على مواصلة الدراسة ولا على مساعدة والديه، بل أصبح عبئا على كاهلهما، كما هو شأن الكثير من الأطفال المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة في أفغانستان. الوالد خان بهادر، بعد أن أغلقت جميع الأبواب في وجهه، وبعد أن فقد الأمل في الجميع، أرسل ابنه إلى إحدى المدارس الدينية في مدينة قندهار ليحفظ القرآن الكريم، ويدرس الدين مع عالم دين، بعيدا عن أهله وذويه.

يقول محمد "كنت دائما أحصّل أرقاما جيدة في الفصل، وكنت دائما الفائز الأول في المدرسة، والحاصل على الجائزة السنوية في المدرسة، ولكن اللغم الأرضي أخذني بعيدا عن كل تلك الأمور، ودُفنت جميع أحلامي بعد أن خسرت الحبيبتين، حيث لم أعد أرى شيئا، كما فقدت رجلي، وشوه وجهي".

حالة مأساوية
على غرار محمد، ثمة أكثر من مئتا ألف طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة في أفغانستان، هم في حالة مأساوية يرثى لها، كما تشير إلى ذلك بعض الإحصائيات التي أجرتها مؤخرا المؤسسات الدولية. وبحسب تلك الإحصائيات، فإن 95 في المائة من هؤلاء الأطفال محرومون من حق التعليم، جلهم يتوجهون نحو التسول في أزقة العاصمة كابول أو المدن الرئيسية الأخرى، وبعضهم يتوجهون إلى الإدمان بعد أن تغفل عنهم أسرهم.


خمسة في المائة من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة يدرسون في المدارس الخاصة بهم أو بجانب الأطفال الأصحاء في المدارس العامة، أما الباقون فهم محرومون من حق التعليم.

وعلى الرغم من صرف المجتمع الدولي أموالا طائلة خلال الـ14 عاما الماضية في مجال تعليم الأطفال عامة، وفي مجال تعليم ورعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة على وجه الخصوص، إلا أن وضع الأطفال المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة لم يتحسن كثيرا، بل بات مأساويا، كما هو شأن جميع أطفال هذه البلاد.

وتعليقا على وضع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة التعليمي في أفغانستان، يقول الناشط الاجتماعي عبدالواسع إن "وضع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مؤسف جدا، ولكن في بلد يعاني من الحروب لمدة أربعة عقود متواصلة هكذا وضع الجميع. ولو ألقينا نظرة على وضع الأطفال عموما يتضح أن معظمهم محرومون من حقهم التعليمي". يضيف الناشط "الشوارع والأزقة ممتلئة بالأطفال، وهم يتسولون لأجل الحصول على لقمة العيش، من بينهم عدد كبير من المعوّقين وذوي الاحتياجات الخاصة".

اقرأ أيضا: تعرف على خطوات التعليم المنزلي للمعوّقين

تعد المشكلة الرئيسية في ما يتعلق بقضية المعوّقين أن أفراد المجتمع الأفغاني والآباء يرون
أطفالهم ذوي الاحتياجات الخاصة عبئا عليهم، كما أن الشارع الأفغاني يرى أن المعوّق يستحق أن يتسول فقط وليس أكثر، معتبرين ذلك الطريقة الوحيدة لكي يبقوا أحياء. ولكن الأمر عكس ذلك، فالأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة هم أكثر من يحتاج إلى التعليم، وهم قادرون على لعب دور فعال في المجتمعات. كما أشار إلى ذلك الناشط بقوله "نحن بحاجة إلى بث الوعي لدى الآباء أولا، وفي المجتمع ثانيا، إزاء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، لأنهم الطبقة المعوزة والمحتاجة".

بدورها، أصدرت وزارة التعليم قرارا ينص على قبول جميع المدارس الأفغانية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير التسهيلات اللازمة لهم.

اتهامات للحكومة
غير أن هناك من يتهم الحكومة بالتباطؤ في قضية تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وأنها لم تؤد دورها الحقيقي إزاء تعليم الأطفال عموما، وتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة على وجه الخصوص.

وفي هذا الصدد، تقول مسؤولة سابقة في إدارة الشؤون الاجتماعية في كابول، سهيلا نويد، إن "إدارة الشؤون الاجتماعية أجرت إحصائية بشأن وضع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ووجدت أن وضعهم مؤسف للغاية.

لذا فإن الإدارة عقدت اجتماعات مع المسؤولين في وزارة التعليم بشأن وضع أولئك الأطفال، وطلبت من الوزارة أن تخصص خمسة في المائة من المقاعد المدرسية في المدن الرئيسية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والمعوّقين، وكذلك تخصيص مقاعد خاصة في الجامعات للمعوّقين وذوي الاحتياجات الخاصة بعد تخرجهم من الثانوية.

وتؤكد المسؤولة السابقة أن الوزارة لم تكن ترغب أصلا في العمل للأطفال المعوّقين وذوي الاحتياجات الخاصة، بل إنها كانت وما زالت تسعى إلى إيجاد مفر لها من كل من يثير القضية.

ورغم إهمال الحكومة والصورة المأساوية لحالة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن ثمة مؤسسات دولية ومحلية تهتم بالقضية، وقد أثارتها على جميع الأصعدة.

كما أنشأت بعض تلك المؤسسات مدارس خاصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، بعضها خاص بتعليم جميع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وبعضها خاص بطائفة دون أخرى. إلا أن معظم المدن الأفغانية لا تزال محرومة من أي نشاط لتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ تُركز جميع الجهود في العاصمة كابول وبعض المدن، كمدينة جلال آباد.

اقرأ أيضا:أفغانستان.. بنات يحترقن من أجل التعليم



دلالات
المساهمون