أعيرة مطاطية.. الاحتلال يقتلع أعين مقدسيين

22 فبراير 2016
يُمنع استهداف الجزء العلوي من الجسد لكن... (الأناضول)
+ الخط -

تستخدم قوات الاحتلال الإسرائيلي في استهدافها للفلسطينيين في القدس المحتلة وغيرها من المناطق، أعيرة مطاطية تؤدّي في أحيان كثيرة إلى إصابات خطيرة لا سيّما في العيون والوجه.

سبع حالات جديدة لمقدسيين من بينهم ثلاثة أطفال فقدوا أعيناً بعد استهدافهم مباشرة من قبل شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وثّقها تقرير صادر عن مركز معلومات وادي حلوة أمس الأوّل. وقد سُجّلت هذه الحالات خلال عام، لا سيّما في أثناء مواجهات واقتحامات نفدتها قوات الاحتلال لمناطق سكنية يقيم فيها هؤلاء المتضررون. إلى جانب الإصابات الجسدية، خلّف ذلك ندوباً وآثاراً نفسيّة لدى الضحايا وأسرهم.

وأشار المركز في تقريره إلى أن المصابين هم من أكثر مناطق المواجهة سخونة مع الاحتلال، علماً أنهم بأكثريتهم لم يشاركوا في أي مواجهات. هم كانوا إما عائدين من مدارسهم، أو من المارين صدفة في أماكن المواجهات. ومن هؤلاء أربعة من مخيم شعفاط، واثنان من العيسوية، وواحد من حي الثوري ببلدة سلوان.

يحيى سامي العامودي (10 أعوام)

كان الطفل يحيى البالغ من العمر عشرة أعوام، يقف مع مجموعة من الأطفال وهو في طريقه إلى مدرسة شقيقه في مخيم شعفاط. كان ذلك في 21 مايو/ أيار 2015، ولم تكن ثمّة مواجهات في المنطقة حينها. لكن قوات الاحتلال استهدفته وأطلقت الرصاص المطاطي عليه.
على الرغم من دقة وضعه الصحي وحاجته إلى علاج فوري بعد معاينته من قبل الطبيب المناوب في المركز الصحي داخل المخيم، عرقلت قوات الاحتلال خروجه وطلبت منه "الكوشان" (شهادة ميلاده). تخبر والدة يحيى أن "حالته كانت خطرة للغاية، فإصابته في وجهه أدّت إلى نزيف حاد وورم شديد. واضطر الأطباء إلى وضع البلاتين في وجهه بسبب كسور داخلية في الجمجمة، فيما أغلقوا فمه حتى نهاية يوليو/ تموز الماضي. وطيلة تلك المدة كان يتناول السوائل فقط بالإضافة إلى فيتامينات خاصة".
تكمل الوالدة: "في البداية، وضعت له عين زجاجية مؤقتة، وكانت بحاجة إلى تنظيف دائم. من ثم، استبدلت بعين زجاجية ثابتة. وفي مارس/ آذار المقبل، سيخضع لعملية جراحية في أسفل عينه، وهو بحاجة أيضاً إلى عملية تجميل ومتابعة طبية". تشير إلى أنه "بعد مرور أشهر عدة على الإصابة، تبدو الآثار النفسية واضحة عليه. هو يغضب بسرعة، في حين ينعكس ذلك على صحته إذ ينتفخ أسفل عينه ويؤدي إلى التهاب وصداع شديد من حين إلى آخر. كذلك، راح يشعر بخوف شديد بسبب المواجهات والأحداث في المخيم والقدس". تضيف أن "إصابته ووضعه الصحي أثّرا سلباً على علاقته بأشقائه، إذ راح يتصرف في بعض الأحيان بعنف تجاههم. إلى ذلك، يصيب تقلب الأحوال الجوية عينه بحرقة وأوجاع، وهو بحاجة إلى نظارة لعينه السليمة، بينما يخضع لجلسات دائمة في مركز الإرشاد".
يحيى في الصف الخامس، وهو غير قادر على الكتابة سريعاً ويحتاج إلى مساعدة ومتابعة. وبالفعل، يرافقه أخيراً مدرّس.

زكريا يحيى الجولاني (14 عاماً)

أصيب الطفل زكريا البالغ من العمر 14 عاماً أثناء عودته إلى منزله في مخيم شعفاط بعد انتهاء يومه الدراسي، في تاريخ 31 مارس/ آذار 2015. هو كان في الصف الثامن، ويخبر: "خلال سيري في المخيم، أصيب شابان بأعيرة مطاطية. وبصورة مفاجئة استهدفت مباشرة".
من جهته، يقول والده إن "الإصابة أثرت على وضع زكريا النفسي. لا ينفك يصرخ ليلاً، ويصمت معظم الوقت، ولا يتحمل أحداً، مع عصبية شديدة. كذلك لا يرغب في الذهاب إلى المدرسة، وقد تراجع تحصليه العلمي بصورة ملحوظة".

خليل محمد إسماعيل الكسواني (15 عاماً)

في رأسه مباشرة، أصيب الطفل خليل البالغ من العمر 15 عاماً، وأدى ذلك إلى تهتّك في الجمجمة والتهاب في الدماغ وانفجار العين اليسرى. يخبر والد خليل أنه "بعد هدم منزل الشهيد إبراهيم العكاري في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2015، وأثناء انسحاب القوات الإسرائيلية من المخيم، أطلق عيار مطاطي باتجاه ابني من مسافة قريبة. لم تكن ثمّة مواجهات في المنطقة، إلا أن قوات الاحتلال كانت منتشرة في المخيم". في ذلك الحين، كان الوالد وابنه في طريقهما إلى المنزل، بعدما اصطحبه من المدرسة".
يقول الوالد: "منذ إصابة خليل (في الصف العاشر) لم يعد قادراً على الذهاب إلى المدرسة. وحالياً نتابع حالته في مستشفى للتأهيل، إذ أثرت الرصاصة على حركته بالكامل. وهو يخضع إلى فحوصات ومتابعة دائمة في المستشفى، خصوصاً بعد إزالة عظمة من الدماغ بسبب الكسور". وقد اضطر الوالد إلى ترك عمله للتمكن من مرافقة ابنه في رحلة علاجه، مؤكداً أن "حياتنا كلها تأثرت منذ إصابته". ويشير إلى أن ابنه تأثر نفسياً بشكل كبير ويعاني من تعب وإرهاق، لكنهم يحاولون دائما دعمه والوقوف إلى جانبه والتخفيف عنه.

الأسير محمد يوسف برقان (18 عاماً)

تعرّض محمد (18 عاماً) من حي الثوري في بلدة سلوان، للاعتقال من قبل قوات الاحتلال على الرغم من إصابته. وكان الشاب قد استهدُف بعيار مطاطي مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، أدى إلى استئصال عينه اليسرى. كذلك أصيب بكسور في عظام الوجه والأنف والفك العلوي والأسنان، وخضع لعملية جراحية زُرع خلالها البلاتين، ورممت عظام الأنف والخد (أسفل العين) والحاجب. وقد تبيّن أن شرياناً قطع في الجهة اليسرى من وجهه، فلم يعد يشعر بها.
اعتقلته قوات الاحتلال فور إصابته وتلقى العلاج وهو قيد الاعتقال. وبعد أيام من عملياته الجراحية، وعلى الرغم من حاجته إلى العلاج، حوّل الى مركز المسكوبية للتحقيق وبعدها نقل الى سجن مجدو. تقول والدة محمد إن "علاج ابنها لم يستكمل، وهو بحاجة إلى متابعة بالإضافة إلى وضع عدسة مؤقتة". تضيف والدته أنها تمكنت من زيارته مرة واحدة (16 ديسمبر/ كانون الأول 2015) منذ اعتقاله في المسكوبية. حالياً، الأسرى في قسمه معاقبون وتمنع عنهم الزيارات.

الأسير علاء صلاح (18 عاماً)

علاء صلاح البالغ من العمر 18 عاماً، أيضاً أسير وقد أصيب بعيار مطاطي في عينه في تاريخ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2015. هو من قرية العيسوية، وقد فقد من جرّاء ذلك عينه اليسرى وأصيب بكسور في عظام الوجه (محيط العين والأنف). وبعد استدعائه واقتحام منزله مرات عدة وتهديد عائلته باستمرار، سلّم نفسه في الرابع من يناير/ كانون الثاني الماضي.
تخبر والدة علاء أنها كانت وابنها في طريقهما إلى المستشفى، "إذ كانت ابنتي تتحضّر للوضع. وأثناء سيرنا باتجاه محطة الحافلات في العيسوية، كانت تدور مواجهات بين شبان وقوات الاحتلال. أمطرت تلك القوات المنطقة بالقنابل الغازية والأعيرة المطاطية، فاختبأنا في إحدى الحارات بعد إصابتي بحالة اختناق. وبعد دقائق افترقت عن علاء، لأسمع بعض الشبان وهم يقولون إن ثمّة من أصيب في عينه". تضيف: "كان ابني هو المصاب بعيار مطاطي في عينه، تسبب له بنزيف حاد وكسور. خضع لعمليات جراحية استؤصلت خلالها عينه اليسرى، وزرع له البلاتين أسفلها، بالإضافة إلى ترميم أنفه. لكنه ما زال بحاجة إلى عملية في جفن عينه". وتشير الوالدة إلى أنها تفكّر دائماً به في معتقله وفي وضعه وصحته، "ولا أنام ولا أشعر بالراحة، وينتابني قلق دائم عليه. هو معتقل في سجن إيشل - بئر السبع".

لؤي فيصل عبيد (37 عاماً)

مأساة مزدوجة يعيشها لؤي البالغ من العمر 37 عاماً، وهو أيضاً من قرية العيسوية وأب لخمسة أطفال (أكبرهم يبلغ 14 عاماً وأصغرهم أربعة أعوام). بعد استهدافه بعيار مطاطي في تاريخ 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، فقد لؤي عينه اليسرى ومن ثم عمله كسائق حافلة سياحية. وقد أصيب بكسور في الجمجمة من الجهة الأمامية وفي الأنف، كما تلفت لديه أعصاب حاستَي الشم والذوق. يقول: "بعد أشهر من الإصابة، ما زال ملفّي يُحوّل من جهة إلى جهة.. من الشرطة إلى حرس الحدود وهكذا دواليك".
وكان لؤي قد أصيب عند خروجه إلى شرفة منزله (الطبقة الثالثة) في حارة عبيد في العيسوية. حينها، كان أحد الجنود يقف عند قارعة الطريق، من دون تسجيل أي مواجهات في الشارع.

نافز علام دميري (55 عاماً)

يعيش نافز البالغ من العمر 55 عاماً حبيساً في منزله في مخيم شعفاط، بعد إصابته برصاصة مطاطية منتصف يوليو/ تموز 2015. وقد ترك عمله في مصنع أحذية في تل أبيب، في حين يزيد من وحدته أنه أصم وأبكم. والرجل الذي كان دائم الابتسامة، يشعر اليوم بملل شديد ويعاني من أوجاع كبيرة في رأسه ومن الإرهاق.
يخبر ابنه الوحيد علام (15 عاماً) أنه كان مع والده عائدَين إلى منزلهما في مخيم شعفاط، وكانت ثمّة أزمة عند الحاجز. يضيف: "وعندما وصلنا عند محل بقالة، كانت قوات الاحتلال الخاصة تلقي القنابل الغازية والصوتية والأعيرة المطاطية. افترقنا عن بعضنا بعضاً وتوجّهت إلى المنزل في انتظار عودته بعدما اختبأ داخل البقالة. وبحسب ما التقطته كاميرات مراقبة، استهدف بعيار مطاطي ومن ثم بثلاث قنابل غازية حتى لا يتمكن أحد من تقديم العلاج له ومساعدته".
يقول علام أن "والدي يعاني من ماء في عينه السليمة، تسبب له أوجاعاً وضغطاً شديداً على المخ، وهو بحاجة إلى عملية".

اقرأ أيضاً: زيارات الأسرى.. قشّة يتمسّك بها الغريق الفلسطيني 

رصاص قاتل

في هذا السياق، يوضح الدكتور أمين أبو غزالة من الهلال الأحمر في القدس، أن "السلطات الإسرائيلية تستخدم الأعيرة المطاطية السوداء أكثر من الأعيرة المطاطية الزرقاء، على الرغم من أن الأولى أشدّ خطورة نظراً لثقل وزنها". يضيف: "إذا أطلقت باتجاه الشخص من مسافة قريبة، فإنها تصيبه بنزيف وتهتك ورضوض مختلفة. وقد سجّلت حالات عدّة من فقدان العين بسببها. أما الأعيرة المطاطية الزرقاء، فهي ترتد بمرونة وتصيب الجلد باحمرار بالإضافة إلى رضوض خفيفة".

من جهتها، تقول المحامية نسرين عليان من جمعية حقوق المواطن، إن الجمعية تطالب في كل مراسلاتها الخطية ولقاءاتها مع المسؤولين، بالتوقف الفوري عن استخدام الرصاص المطاطي الأسود نظراً لخطورته. وتلفت إلى أن القوات الإسرائيلية بدأت باستخدامه في يوليو/ تموز 2014 في القدس. تضيف عليان أن "الرصاص المطاطي ومنذ استخدامه، أدى إلى استشهاد الفتى محمد سنقرط من حي وادي الجوز في المدينة، بالإضافة إلى إصابة عديد من المقدسيين بحالات خطرة. وقد فقد 13 مقدسياً من بينهم ستة أطفال (بحسب ما توثيق الجمعية) أعيناً.

وتشدد عليان على أن "استخدام الرصاص المطاطي يتناقض مع المعايير القانونية لاستخدامه، التي لا تجيزه ضد الأطفال والنساء وكبار السن، والتي تمنع توجيهه إلى الجزء العلوي من الجسد. لكن ما يحدث على أرض الواقع عكس ذلك". تتابع أن "السلطات الإسرائيلية تدعي أن الأعيرة السوداء غير قاتلة وتستخدم بدقة، لكن على أرض الواقع ثبت عكس ذلك، خصوصاً بعد استشهاد الفتى سنقرط والإصابات الخطيرة التي خلّفتها".

اقرأ أيضاً: مدارس القدس.. الاحتلال يواصل أسرلة المناهج